ويزيد قلقي، وأحس بغيظ منك، وثورة عليك، فكأنك تخدعينني، وأدفعك بعيدا عني، لكنك لا تبكين، ولا تتوسلين وإنما تعودين إلي وفي عينيك ذلك الحنان القاتل، وتزحفين نحوي وتمسكين بي، وتحيطينني بكل جسدك الدافئ، وتقسمين إنك تحبينني، وأقف حانقا عليك، وأدفعك بعيدا عني في قسوة، وألطمك على عينيك اللامعتين الصغيرتين وأركل حنانك في إباء وشمم، اغفري لي يا حبيبتي كل هذه الأوهام فأنا لا أطيق الحنان، لأن في نفسي كبرياء، كبرياء الضعفاء.
لا أدري لماذا أعبر عن كل هذه الأشياء الغريبة، إنني لم أشك في قوتي قبل أن أعرفك.
كنت دائما واثقا منها إلى درجة الغرور، وكنت في كل مرة أهرب من الحب لأنه لا يكفيني، أما هذه المرة فإنني أهرب منه لأنني لا أكفيه، كنت أود يا حبيبتي أن أحتضنك وأهصر عودك بين ذراعي، وأحس أنك تذوبين في كياني فيتلاشى كيانك، وأن أكون أنا، أنا الأقوى، أنا البحر الواسع وأنت الكائن الصغير الذي يغيب في أعماقه ولججه، هل فهمت؟
وداعا يا حبيبتي، وداعا إلى الأبد.
الماضي
حجرة النوم الأنيقة مضاءة بنور خافت من شمعة صغيرة تداعبها نسمة الليل الحار، والنافذة المفتوحة عليها ستائر شفافة بلون السماء تهتز مع الهواء في خفة بالغة، وعلى الحائط صورة مكبرة لوجه طفل لا يزيد عمره عن العام، وبجوار السرير في جوف كرسي كبير يغطس جسم مصطفى الطويل الذي كانوا يسمونه منذ دقائق بالعريس، ينظر أمامه في مرآة الدولاب حيث يرى جزءا من وجه «إلهام» وهي جالسة على طرف السرير، ويتأمل أنفها من جانب وهو ثابت في المرآة لا يتحرك كأنه خط مستقيم في وجه تمثال.
وابتسم مصطفى لنفسه وهو ينظر إليها، لأول مرة يرى على ملامحها علامات خجل وارتباك، كانت دائما جريئة وكان يحب جرأتها.
وضغط بيده على يد الكرسي ليهم بالوقوف، لكنه تراجع وأسند ظهره إلى الكرسي.
لماذا يتردد؟ ألم يقبل في حياته العريضة الواسعة مئات الفتيات؟
ألم يدبر الحيل، وهو طالب بالجامعة ليقنع أباه بأن جو البيت لا يشجعه على المذاكرة، وأنه - كي ينجح - يجب أن يؤجر شقة مستقلة ليذاكر فيها مع صديقه فتحي؟ وفعلا ظل يسعى حتى تحققت أمانيه، وأصبحت له شقة خاصة، وأصبحت له صديقات وعشيقات، وشهدت الشقة الصغيرة بطولته معهن جميعا بلا استثناء!
نامعلوم صفحہ