وصعد إلى شقته يجر جسمه الطويل في ملل، كأنه يود لو تخلص منه هو الآخر، ودخل شقته، وقابله خادمه محمد النوبي بابتسامة بيضاء ناصعة: أهلا سي رجب! - عملت أكل إيه؟ - كوسة يا سي رجب!
وقال له في غيظ: كوسة؟ كل يوم كوسة كوسة، مفيش حاجة تانية في السوق؟ انت امبارح عامل كوسة!
قال الخادم: أبدا يا سي رجب، امبارح عامل بطاطس، وأول امبارح فاصوليا، وأول أول بسلة وقبلها كانت كوسة.
ولم يرد عليه الدكتور، بل دخل إلى حجرة نومه، وهو يفكر في هذه الأيام التي تمر متشابهة، فلا يفرق بين أمس وأول أمس، هل أصبح إلى هذا الحد لا يشعر بمرور الزمن؟
وأخذ يخلع ملابسه في تثاقل وبلادة، لا شيء في الدنيا يثير الحماس.
ولم يدر ما حدث، فقد أخذ يتلفت حوله ويأخذ نفسا عميقا، وهو يقول: الله! ريحة إيه؟
ورأى خادمه، واقفا على الباب، يقول: خلاص يا سي رجب الأكل على السفرة، وعرف الدكتور أن الرائحة التي هبت فجأة وأنعشت رئتيه لم تكن إلا رائحة اللحم المحمر في السمن البلدي.
وبخطوات سريعة نشطة قفز الدكتور إلى حجرة المائدة ، وقد ذاب كل شعوره السابق بالملل والكآبة، ولم يشعر إلا وهو جالس أمام أطباق الأكل يشم كل طبق على حدة، وفي عينيه لمعان جديد.
وانطلق صوته في نشوة مجلجلا: يا محمد! يا محمد، جبت فلفل أخضر؟
وجاء صوت محمد من المطبخ يقول: أيوه حاضر جاي أهه.
نامعلوم صفحہ