ويدخل الدكتور إلى حجرة ضيقة، متر ونصف في مترين ونصف، لها شباك واحد، عليه ستارة سوداء، وجهاز الأشعة يبتلع نصف مساحة الحجرة، والنصف الآخر يشغله عشرة من المرضى متلاصقين كأنهم مربوطين بحبال، ويرن صوت نفيسة الرفيع، وهي تقول للمرضى: الزقوا في بعض شوية كمان، خلي الدكتور يعرف يمر.
ويمر الدكتور بصعوبة، كأنه يفلت من خرم إبرة، ويقف أمام جهاز الأشعة، وينادي على أول مريض، ويضغط على زر فينطفئ النور، ثم يضغط على زر آخر فيضيء الجهاز، وينظر إلى صدر المريض من خلال الجهاز في دقة، ويقول له: خذ نفس.
لكن المريض يكتم نفسه، فيقترب منه الدكتور ويقول له: مش بتفهم عربي، خذ نفس يعني تعمل كده.
وفتح الدكتور فمه على آخره، وجذب من هواء الحجرة نفسا، وقبل أن يخرجه إذا بالمريض الواقف أمامه يكح في فمه، ويتراجع الدكتور إلى الوراء في غيظ شديد، ويخرج منديله ويمسح رذاذ اللعاب الذي تناثر على وجهه، ويبصق في الحوض المجاور له: الله يقرفك يا شيخ! بقى مالقتش حتة تكح فيها غير زوري؟ تعالى اقف تاني ورا الجهاز، اقف كده وقفت عليك حيطة!
وانتهى الدكتور من الكشف على المرضى العشرة، وفتحت الممرضة الباب، ودخل عشرة آخرون وقالت له: تاني دفعة يا بيه.
وانتهى الكشف على ثاني دفعة، ثم ثالث دفعة ، ثم الحريم، ثم المخالطين، والدكتور يجفف عرقه، ويبصق من حين إلى حين في الحوض. وأخيرا انتهى الكشف، وأقفل الدكتور الجهاز، وخرج من الزنزانة مسرعا. - أف، الله يلعن أبو ده شغل!
كانت أول كلمات ينطق بها الدكتور، وهو يجلس على مكتبه، ويجفف عرقه.
وفتح الباب، ودخل توفيق: فيه واحد مريض عاوز يقابل سعادتك.
وانفجر فيه الدكتور صائحا: يا حمار! يا مغفل! مش شايف أنا شكلي إيه، مش شايف أنا لسه يدوبك طالع من إيه؟ خلي عندك دم! سيبني شوية آخد نفسي، أشم شوية هوا من غير سل! اقفل الباب يا حمار لغاية ما عرقي ينشف.
ثم نظر إلى عنايات في غضب: فين يا ولية المية الساقعة؟ غسلت التلج بالصابونة؟! اعملي فنجان قهوة مظبوط.
نامعلوم صفحہ