مُبْتَدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ﵀ (وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦] وَقَوْلُهُ: بِمِرْفَقَيْهِ أَيْ مَعَ مِرْفَقَيْهِ، وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، يُقَالُ: اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِسَرْجِهِ أَيْ مَعَ سَرْجِهِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَدْخُلُ الْمَرَافِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا قُلْنَا: نَعَمْ لَا تَدْخُلُ لَكِنَّ الْمُغَيَّا هُنَا إنَّمَا هُوَ الْإِسْقَاطُ، فَتَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَسْقِطُوا مِنْ الْمَنَاكِبِ إلَى الْمَرَافِقِ، إذْ لَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ لَمْ يَكُنْ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَ الْمَرَافِقِ وَجْهٌ، بَعْدَمَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْيَدِ.
قَالَ ﵀ (وَرِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ) وَالْكَلَامُ فِيهِمَا كَالْكَلَامِ فِي الْيَدِ، وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْمَفْصِلُ الَّذِي عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبِ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى ﴿إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦] بِتَثْنِيَةِ الْكَعْبِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، وَمِنْ اثْنَيْنِ وَهُوَ جُزْءٌ لَهُ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤] وَلَمْ يَقُلْ قَلْبَاكُمَا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَقِيلَ إلَى الْكِعَابِ كَالْمَرَافِقِ فَبَطَلَ زَعْمُهُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ وَظِيفَةَ الرِّجْلِ الْمَسْحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الرَّأْسِ، وَلَنَا قِرَاءَةُ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْيَدَيْنِ «، وَقَالَ ﵇ بَعْدَمَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ»، وَالْجَرُّ لِلْمُجَاوَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: ٢٢] عَلَى مَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ قَالَ ﵀: (وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ ﵇ مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ» وَهِيَ الرُّبْعُ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْوَاجِبُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ، وَهِيَ الْيَدُ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْأَصَابِعُ، وَهِيَ عَشَرَةٌ فَرُبْعُهَا اثْنَانِ وَنِصْفٌ، وَالْوَاحِدُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَمُلَ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمَمْسُوحَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا إذْ لَوْ جَازَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَفَعَلَهُ ﵇ مَرَّةً تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ،
وَقَوْلُهُ (وَلِحْيَتِهِ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللِّحْيَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى الرَّأْسِ أَيْ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ وَرُبْعِ لِحْيَتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ لِعَدَمِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ أَوْ لِتَعَسُّرِهِ وَجَبَ مَسْحُهُ كَالْجَبِيرَةِ، وَالْمَمْسُوحُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ فَاعْتُبِرَ الرُّبْعُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الرُّبْعِ أَيْ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ وَمَسْحُ لِحْيَتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ مَسْحُ كُلِّ اللِّحْيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ عَنْهُ غَسْلُ الرُّبْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَسَّرَ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ انْتَقَلَ الْوَاجِبُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ كَالْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَسْحُ الرَّأْسِ لَمَّا تَعَسَّرَ انْتَقَلَ الْوَظِيفَةُ إلَى الشَّعْرِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ عَنْ الذَّقَنِ فَلَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ
قَالَ ﵀ (وَسُنَّتُهُ) أَيْ سُنَّةُ الْوُضُوءِ (غَسْلُ يَدَيْهِ إلَى رُسْغَيْهِ ابْتِدَاءً كَالتَّسْمِيَةِ)، أَمَّا الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ فَلِأَنَّهُمَا آلَةُ التَّطْهِيرِ فَيُبْدَأُ بِتَنْظِيفِهِمَا وَقَالَ إلَى رُسْغَيْهِ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي التَّنْظِيفِ، وَأَطْلَقَهُ لِيَتَنَاوَلَ الْمُسْتَيْقِظَ وَغَيْرَهُ، وَقَالَ كَالتَّسْمِيَةِ وَيَعْنِي كَمَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ وَالْيَدِ الزَّائِدَتَيْنِ وَيَغْسِلُ الْأَقْطَعُ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ حَتَّى طَرَفَ الْعُضْوِ كَنُونٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا) أَيْ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (قَوْلُهُ إلَى الْمَرَافِقِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ ﴿وَأَيْدِيكُمْ﴾ [النساء: ٤٣] يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَيْدِي إلَى الْمَنَاكِبِ وَهُوَ لُغَةٌ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ) أَيْ لَمَّا قَالَ إلَى الْكَعْبَيْنِ دَلَّ أَنَّهُ ثَنَّى فِي كُلِّ رِجْلٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ النَّاسِ) وَهُمْ الرَّوَافِضُ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَعِنْدَ الرَّوَافِضِ الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الْقَدَمِ وَالْأَصَابِعِ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْغَسْلُ غَيْرُ جَائِزٍ. (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ) أَيْ هُوَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ) وَالْغَسْلُ يَنُوبُ عَنْهُ وَلَوْ مَعَ الْوَجْهِ، وَالْوُضُوءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُحْدِثِ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ جِنَازَةً أَوْ نَفْلًا وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُهَا وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلِهَذَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَسُنَّةٌ لِلنَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ وَعِنْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلِلْجُنُبِ عِنْدَ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَلِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَبَعْدَ أَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الِاخْتِلَافِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ) وَجْهُ اعْتِبَارِ الْآلَةِ أَنَّ الْبَاءَ إنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمَحَلِّ اقْتَضَتْ اسْتِيعَابَ الْآلَةِ دُونَ الْمَحَلِّ، وَأَكْثَرُ الْآلَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ كُلِّهَا فَيَجِبُ الْمَسْحُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَسْحُ الرَّأْسِ) قِيَاسُ اللِّحْيَةِ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ أَظْهَرُ مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ مِنْ الْبَشَرَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا فِي شَعْرِ الرَّأْسِ بِخِلَافِ الْحَاجِبَيْنِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ وَهُوَ أَصَحُّ مَذْهَبِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ) تَقُولُ رَأَيْت وَجْهَهُ دُونَ لِحْيَتِهِ وَلَا يُقَالُ طَالَ وَجْهُهُ دُونَ لِحْيَتِهِ وَلَا يُقَالُ طَالَ وَجْهُهُ وَيُقَالُ طَالَتْ لِحْيَتُهُ انْتَهَى
[سُنَن الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ) ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَى رُسْغَيْهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرُّسْغُ كَالْقُفْلِ مَفْصِلٌ مَا بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ابْتِدَاءً) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدِئًا انْتَهَى عَيْنِيٌّ السُّنَّةُ نَفْسُ الِابْتِدَاءِ بِفِعْلِ الْيَدَيْنِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْغَسْلِ فَفَرْضٌ انْتَهَى
1 / 3