وروينا في " كتاب أخبار مكة " لأبى محمد الفاكهي، بإسناد لا بأس به، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لا تتخذوا رجبا عيدا، ترونه حتما مثل شهر رمضان، إذا أفطرتم منه صمتم وقضيتموه. وقال عبد الرزاق في " مصنفه "، عن ابن جريج، عن عطاء، كان ابن عباس، ينهى عن صيام رجب كله: ألا يتخذ عيدا. وهذا إسناد صحيح. ومثل هذا: ما رويناه في سنن سعيد بن منصور أخبرنا سفيان - يعنى ابن عيينة، عن مسعر، عن وبرة، هو ابن عبد الرحمن عن خرشة بن الحر، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوها عن الطعام حتى يضعوها فيه، ويقول: إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه. وروى نحو ذلك، عن أبى بكرة.
فهذا النهى منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية. أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتما، أو يخص منه أياما معينه يواظب على صومها، أو ليال معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة. فهذا من فعله من السلامة مما استثنى، فلا بأس به. فإن خص ذلك، أو جعله حتما فهذا محظور. وهو في المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام " رواه مسلم.
وإن صامه معتقدا أن صيامه، أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره، فقي هذا نظر. ويقوم جانب المنع ما في الصحيح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صوم يوم يفضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء. وهذا الشهر يعنى رمضان.
صفحہ 36