التَّبْصِرَةُ
تَأليف
أبي الْحَسَن عَليّ بن مُحَمَّد اللَّخْمِيِّ المتوفى سنة ٤٧٨ هـ
دِرَاسَة وَتَحْقِيق
الدكتور أَحْمد عبد الْكَرِيم نجيب
عُضْو رابطة عُلَمَاء الْمُسلمينِ
نامعلوم صفحہ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدِّمة كتاب "التَّبْصِرة للخمي"
الحمدُ لله حمدًا يوافي نِعَمَه، والصَّلاة والسَّلام على أشرف خَلْقه، وخاتم رُسله، وبعد:
فإنَّ علماءَ الإسلام قد خلَّفوا لنا تراثًا علميًّا ضَخْمًا، متعدِّدَ المناحي، ما يزال معظمُه مخطوطًا لم يَرَ النور، ولم يتعرفْ عليه الباحثون، رغم ما فيه من المعاني الدَّقيقة، والأفكارِ العميقة، التي تخدمُ واقعَنا المعاصر، وتنير السُّبُلَ لأمتنا في مجالات الفكر والتشريع والثقافة، حيث يُقدِّرُ بعضُ الخبراء أن ما بقي من تراث علماء الإسلام مخطوطًا يربو على ثلاثةِ ملايين عنوان في زوايا المكتبات، وظلام الصَّناديق والأقبية، لم يُفَهْرَسْ فهرسةً دقيقةً، فَضْلًا عن نشره.
فكان من المهمِّ في هذه المرحلة أن تَتَّجِهَ الجهودُ لتقويم هذا التُّراث، واستجلاء ما ينفعُ الناسَ في عصرنا منه، ثم العمل على تحقيقه ونشره.
مقدمة / 1
وإنَّ وزارةَ الأوقاف والشُّؤون الإسلامية بدولة قطر -وقد وَفَّقها الله لأن تضربَ بسهمٍ في إحياء هذا التراث- لتحمد الله ﷾ على أنَّ ما أصدرته من نفائسِ التُّراث قد نال استحسانَ أهلِ العلم في مشارقِ الأرض ومغاربها.
والمتابعُ لحركة النَّشْر العلميِّ لا يخفى عليه جهودُ دولة قطر في خدمة تُراثِ الأمة منذ ما يزيدُ على سِتَّةِ عُقود، ومَشْروع إحياء التراث الإسلامي؛ الذي بدأته الوزارةُ منذ أربع سنوات؛ امتدادٌ لتلك الجهود، وسَيْرٌ على تلك المَحَجَّة التي عُرفت بها دولةُ قطر.
ومنذ انطلاقةِ هذا المشروعِ المباركِ يسَّر اللهُ جلَّ وعلا للوزارة إخراجَ مجموعةٍ من أمهات كتب العلم في فنون مختلفة؛ تُطبع لأوَّل مرة.
ففي تفسير القرآن الكريم: أصدرتِ الوزارةُ تفسيرَ الإمام العُليمي (فتح الرحمن في تفسير القرآن)، وفي عِلْم الرَّسْم أصدرتْ كتابَ (مرسوم المُصْحَف للإمام العُقيلي) ونحن بصدد إصدار جديدٍ مُتَميِّزٍ للمحرّر الوجيز لابن عطية مُقابَلًا على نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ عِدَّة.
وفي السُّنَّة: أصدرتِ الوزارةُ كتابَ: (التَّوضيح شَرْح الجامع الصَّحيح لابن الملقّن) و(حاشية مُسْنَد الإمام أحمد للسّندي)، و(شرحين لموطأ الإمام مالك لكلٍّ من القنازعي والبوني)، و(شرح الرَّافعي على مسند الإمام الشافعي)، و(نخب الأفكار شَرْح معاني الآثار للبَدْر العَيْني)، و(صحيح ابن خُزيمة) بتحقيقه الجديد المُتْقَن، يتبعه
مقدمة / 2
قريبًا بإذن الله السُّنَن الكبرى للنَّسائي باستدراك ما فاتَ في طبعاته السَّابقة، مع مشاريع أخرى في السُّنَّة المُطَهَّرة يُعْلَن عنها في حِيْنها.
وفي الفقه: أصدرتِ الوزارةُ: (نِهاية المَطْلَب في دراية المذهب للإمام الجُويني) الذي حَقَّقَه وأتقن تحقيقَه عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي أ. د. عبد العظيم الدِّيب ﵀، وكتاب (الأوسط لابن المُنْذِر) بمراجعة وتدقيق د. عبد الله الفقيه عضو اللجنة، وفي الطَّريق إصداراتٌ أخرى مُهِمَّة، تُمَثِّلُ الفقهَ الإسلاميَّ في عهودهِ الأولى.
وفي السِّيرةِ النَّبويةِ: أصدرتِ الوزارةُ الموسوعةَ الإسناديَّةَ (جامع الآثار لابن ناصر الدِّين الدِّمشقي).
وفي العقيدة والتَّوحيد: أصدرتِ الوزارةُ كتابًا نَفِيْسًا لطيفًا هو: (الاعتقادُ لابن العَطَّار) تلميذ النَّووي، رحمهما الله.
ولم نغفلْ عن إصدار دراساتٍ معاصرة متميِّزة من الرَّسائل العلميَّة وغيرها، فأخرجنا (القيمة الاقتصادية للزمن) و(نوازل الإنجاب) وفي الطَّريق -بإذن الله تعالى- ما تقرُّ به العيونُ من دراساتٍ معاصرةٍ في القرآن والسُّنَّة، ونوازل الأمة.
ويسرُّنا اليومَ أن نُقدِّمَ للمسلمين كافةً هذا السِّفْرَ من نفائسِ مصادرِ الفقه المالكيِّ للحافظ الإمام أبي الحسن عليِّ بن محمد اللَّخمي القيرواني؛ الذي حاز الرئاسةَ العلميَّة في بلاد إفريقية، وتوفي سنة ٤٧٨ هـ.
مقدمة / 3
والكتابُ -كما يقولُ القاضي عِياض- كنز من كُنوز هذه الأمةِ المكنونةِ، وذَخائِرِها المَدْفُونة، وقد اعتمده الشَّيخُ خليل عمدةُ المحققين وخاتمةُ المتأخِّرين، فجعله أحدَ الأربعة الذين بنى عليهم مختصره، ورَمَز له بلفظِ الاختيار، وقد اشتمل كتابُ اللَّخمي هذا على الكثير من اختياراتِه الفقهية، واجتهاداتِه المَذْهبية؛ لأنه كان مُغْرى بتخريج الخِلافِ في المذهب، واستقراء الأقوال، وربما اتَّبع نظره فخالفَ المذهبَ فيما ترجَّح عنده بالدَّليل، فخرجتْ بعضُ اختياراته عن قواعد المذهب، وقد أثنى العلماءُ على هذا الكتاب قديمًا وحديثًا، شِعْرًا ونَثْرًا بما لا يتَّسعُ المجالُ لِذِكْرِه.
والحمدُ لله على توفيقه، ونسأله المزيدَ من فَضْلِه
إدارةُ الشُّؤون الإسلامية
مقدمة / 4
المقدمة التحقيقية
مقدمة / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أقول -مستعينًا بالله تعالى- بعد حمدِه كما ينبغي لجلاله، والصلاةِ والسلام على نبيِّه المصطفى وصحبِه وآله:
لا يزال الإهمال هو السمة الغالبة على التعامل مع الكثير من كتب التراث العربي والإسلامي، وقد وقف هذا الإهمال حائلًا بين الفقهاء والمتفقهين وبين الحصول عليها أو الوصول إلى بعض ما فيها، وقد أودى بكثير من الأصول الخطية لكتب المذاهب الفقهية، ومذهب إمام دار الهجرة -بخاصة- من بينها، حتى إن كلمة مفقود باتت لصيقة بكثير من الأمهات المصنفة فيه، وربَّما كان ما قيل إنه مفقود موجودًا، ولكن عنونته -في الفهارس التي يضعها غيرُ المختصين في الغالب- بكتاب مجهول، أو نسبته إلى مؤلِّف مجهول، دعَّم زعمَ من زعم، وقناعةَ من اقتنع بأنَّه مفقود.
وحين أيس الكثيرون من الوصول إلى بعض الآثار المفقودة، لم يجد اليأس إلى نفوسنا سبيلًا، بل عقدنا العزم على البحث عن مخطوطات ما لم يطبع من كتب السادة المالكية؛ فوصلنا إلى بعض الأصول الخطية، وامتلكنا بعضها شراءً ممن كانت بحوزته ولم يقدرها حق قدرها، بينما صوَّرنا البعض الآخر حينما أتيحت لنا الفرصُ لتصويره.
وما كتاب "التبصرة" إلا واحدٌ من الدواوين الفقهية التي فُقِد معظمُها، فلم يوقَف في عصرنا على نسخة كاملة منها، بل تناثرت أسفارُها أشتاتًا في شرق العالم وغربِه؛ حتى صار من علامات ثراء المكتبات أن تحتوي على جزءٍ
مقدمة / 7
أو نبذة منها.
وأمام هذا الواقع استخرنا الله تعالى في العمل على تحقيق هذا الديوان النفيس ونشره، ومضينا في الأمر قُدُمًا حتى انتهينا بتوفيقه سبحانه إلى ما نقدِّمه اليوم إلى المكتبة الإسلامية في ثوب قشيب من التوثيق والضبط والتحقيق، مُقَدِّمين بين يديه:
مقدمة / 8
أولًا: تعريف مختصر بأبي الحسن اللخمي ﵀- (١)
اسمه ونسبه وكنيته:
هو أبو الحسن، علي بن محمد بن علي (٢) الربعي (٣) اللخمي (٤)، القيرواني (٥)، نزيل سفاقس (٦).
_________
(١) من مصادر ترجمة اللخمي على ترتيبها الأقدم فالأحدث:
ترتيب المدارك، لعياض: ٨/ ١٠٩، ومعالم الإيمان: ٣/ ٢٠٠، والديباج، لابن فرحون: ٢/ ١٠٤، التعريف بالرجال المذكورين في جامع الأمهات لابن عبد السلام الأموي (مطبوع بحاشية الجامع بتحقيقنا): ١/ ١٧، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ١١٧، والفكر السامي، للحجوي: ٢/ ٢١٥، وتاريخ الإسلام، للذهبي: ٣٢/ ٢٤٢، والأعلام للزركلي: ٤/ ٣٢٨، وأبو الحسن اللخمي وجهوده في تطوير الاتجاه النقدي في المذهب، للدكتور محمد المصلح.
(٢) ذكر ابن عبد السلام الأموي هذا الجد ولم أقف على من ذكره غيره، انظر: التعريف برجال جامع الأمهات لابن عبد السلام الأموي.
(٣) الربعي: قيل نسبة لربيعة بن نزار واستبعد السمعاني أن تكون كذلك قال: قلما يستعمل ذلك لأنه ربيعة بن نزار شعب واسع فيه قبائل عظام وبطون وأفخاذ استغنى بالنسب إليها عن النسب إلى ربيعة.؛ وذكر أنه يقال الربعي لمن ينتسب إلى ربيعة أو ربعة الأزد من بكر بن وائل. انظر: الأنساب، للسمعاني: ٣/ ٤٣.
(٤) اللخمي نسبة إلى لخم وهي قبيلة يمنية نزلت الشام وذكر عياض أن نسبته هذه جاءته من قبل جده لأمه ولم أقف على ترجمة أو ذكر لهذا الجد.
(٥) المدارك، لعياض: ٨/ ١٠٩.
(٦) قال ياقوت الحموي: سفاقس بفتح أوله وبعد الألف قاف وآخره سين مهملة مدينة من نواحي إفريقية جل غلاتها الزيتون وهي على ضفة الساحل بينها وبين المهدية ثلاثة أيام وبين سوسة يومان وبين قابس ثلاثة أيام وهي على البحر ذات سور وبها أسواق كثيرة ومساجد وجامع وسورها صخر وآجر وفيها حمامات وفنادق وقرايا كثيرة وقصور جمة ورباطات على =
مقدمة / 9
مولده ونشأته:
ولد اللخمي ﵀ في مدينة القيروان، وبها كانت نشأتُه (١)، ولم يذكر له تاريخ ولادة، عند من ترجم له غير أنَّ عياضًا ﵀ ذكر طول بقائه بعد أقرانه وحيازته بذلك التقدم والتفرد فعلى أقل تقدير أن يكون عمر للثمانين أو ما حولها (٢)، وكذا يستفاد من رواية ابن حجر في معجم شيوخه لكتاب الملخص لابن القابسي المتوفى سنة ٤٥٣ هـ - فقد جاءت هذه الرواية من طريق المازري عن اللخمي عن القابسي (إجازة) - فدلت إجازة القابسي على ولادة اللخمي قبل وفاة هذا العالم فما أجيز إلا حيًّا أو متحملًا فدل على ولادته قبل ذلك (٣).
وقد كان بالقيروان حتى خرج منها في الفتنة (٤) كما ذكر عياض أنه رابع أربعة فقهاء خرجوا من القيروان بعد الفتنة (٥).
وقد اختار مدينة سفاقس فظل بها حتى توفي، ومسجده وقبره بها معروفان (٦).
_________
= البحر. معجم البلدان: ٣/ ٢٢٣.
(١) هو ما يُفهم من قول عياض -في المدارك-: "القيرواني أصلًا" ومن تبعه ناقلًا عنه. انظر: المدارك: ٨/ ١٠٩، والديباج، لابن فرحون: ٢/ ١٠٤، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ١١٧.
(٢) المدارك: ٨/ ١٠٩، والإمام اللخمي، للدكتور محمد المصلح: ١/ ١٢٥.
(٣) المعجم المفهرس، لابن حجر، ص: ٣٩.
(٤) الفتنة يقصد بها نزوح قبائل عربية من بني هلال كانت نازلة بصعيد مصر نحو الغرب لمحاربة المعز ابن باديس صاحب القيروان المنشق عن الخليفة الفاطمي المستنصر، فحاول ابن باديس التصدي لهم وعجز عن ذلك، فهادنهم فغافلوه ودخلوا القيروان وعاثوا فيها، سنة ٤٤٩ هـ فنزح عنها كثير من أهلها. انظر: تاريخ ابن خلدون: ٦/ ٢١٠ وما بعدها، والبيان المغرب للمراكشي: ١/ ٢٤٣.
(٥) انظر: المدارك، لعياض: ٨/ ١٠٩، ترجمة ابن غرور.
(٦) معالم الإيمان: ٣/ ٢٠٠.
مقدمة / 10
شيوخ اللخمي:
١ - أبو الطيب عبد المنعم بن إبراهيم الكندي؛ المعروف بابن بنت خلدون، القيرواني المتوفى سنة ٤٣٥ هـ (١):
أخذ عن أبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران الفاسي، وغيرهما، وله رحلة إلى المشرق.
وبه تفقه اللخمي، وأبو إسحاق بن منظور القفصي، وعبد الحق الصقلي، وابن سعدون وغيرهم، له على المدونة تعليق مفيد، وكان له حظ وافر في أكثر من علم.
٢ - أبو إسحاق، إبراهيم بن حسن التونسي، المتوفى سنة ٤٤٣ هـ (٢):
تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران الفاسي، ودرس الأصول على الأزدي.
أخذ عنه عبد الحق، وابن سعدون، وعبد العزيز التونسي، وابن أبي جامع وغيرهم، قال عياض: وله شروح حسنة على كتاب ابن المواز والمدونة (٣).
٣ - أبو القاسم عبد الرحمن بن مُحرز القيرواني المتوفى سنة ٤٥٠ هـ (تقريبًا) (٤):
تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران، والقابسي، وأبي حفص
_________
(١) انظر ترجمته في: ترتيب المدارك: ٨/ ٦٦، ومعالم الإيمان: ٣/ ١٨٤.
(٢) انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: ٨/ ٥٨، والديباج، لابن فرحون: ١/ ٢٦٩، وشجرة النور، لمخلوف، ص: ١٠٨.
(٣) المدارك، لعياض: ٨/ ٥٨.
(٤) انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: ٨/ ٦٨، والديباج، لابن فرحون: ٢/ ١٥٣، ومعالم الإيمان: ٣/ ١٨٥، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ١١٠.
مقدمة / 11
العطار، وبه تفقه اللخمي، وعبد الحميد الصائغ، وله تصانيف حسنة منها تعليق على المدونة سماه: "التبصرة"، وكتابه الكبير المسمى بـ "القصد والإيجاز" وابتلي آخر عمره بالجذام.
٤ - أبو القاسم، عبد الخالق بن عبد الوارث السيوري، القيرواني، المتوفى سنة ٤٦٠ هـ (١).
قال عياض: خاتمة علماء إفريقية، وآخر شيوخ القيروان، ذو البيان البديع في الحفظ والقيام على المذهب والمعرفة بخلاف العلماء (٢).
تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران الفاسي، وغيرهما، وبه تفقه عبد الحميد، واللخمي ولازمه، وعبد الحق، والذكي، له تعاليق على المدونة، أخذ عنه أصحابه، وطال عمره؛ ونقل عياض أنه كان يطعن على اللخمي سيئ الرأي فيه (٣).
تلامذته:
١ - أبو الطيب، سعيد بن أحمد بن سعيد السفاقسي، الينُونِشي (٤) الفقيه، المتوفى سنة ٥٠١ هـ (٥).
قال عياض: سكن أغمات، وكان من المحققين بالفقه والكلام، من أهل البلاغة، والتأليف والنظم والنثر، تفقه بأبي الحسن اللخمي وطبقته وكان من
_________
(١) انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: ٨/ ٦٥، والديباج، لابن فرحون: ١/ ٩٥.
(٢) انظر: المدارك، لعياض: ٨/ ٦٥.
(٣) انظر: المدارك، لعياض: ٨/ ٦٥.
(٤) نسبة ليَنُونِش بالفتْح وكسر النون الثانية: قرية في ساحل أَفْرِيقِيَّةَ انظر: معجم البلدان، لياقوت: ٥/ ٤٥٢، وتاج العروس، للزبيدي: ١٧/ ٤٧٢.
(٥) انظر ترجمته في: الغنية: صـ ١٥٧، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، للسملالي: ١٠/ ١٣٤.
مقدمة / 12
أهل الخير التام، والفضل الكامل، وسلوك طريق الزهد والورع، متواضعًا حسن الصحبة، كريم العشرة، وشهر اسمه عند السلطان وغيره فلم يزدد إلا خيرًا وانقباضًا وتواضعًا ولم يتشبث بشيء من أمور الدنيا إلى أن توفي ﵀ من سقطة سقطها من درج منزله (١).
٢ - أبو علي، الحسن بن عبد الأعلى الكلاعي، السفاقسي، السبتي، المتوفى سنة ٥٠٥ هـ (٢).
تفقه بأبي الحسن اللخمي وعليه كان اعتماده وأخذ أيضًا عن ابن سعدون والجياني وغيرهم من مشايخ إفريقية والمغرب والأندلس، ثم استوطن سبتة أخيرًا، وشاوره بها بعض القضاة، وأريد على قضاء الجزيرة فامتنع؛ قال عياض: كان منقبضًا فاضلًا، لم يجب إلى التدريس ولا تصدر للفتيا، وكان محققًا فَهِمًا فقيهًا أصوليًا متكلمًا عارفًا بعلم الهندسة والحساب والفرائض وغير ذلك من المعارف؛ وتوفي بأغمات في المحرم (٣).
٣ - أبو الفضل، يوسف بن محمد بن يوسف التوزري، القلعي، المعروف بابن النحوي، المتوفى سنة ٥١٣ هـ (٤)
من قلعة حماد، صحب اللخمي، وأخذ عن أبي عبد الله المازري، وأبي
_________
(١) انظر: الغنية، لعياض، ص: ١٥٧.
(٢) انظر ترجمته في: الغنية لعياض: صـ ١٠١، التكملة لكتاب الصلة: ١/ ٢١٧، وتاريخ الإسلام، للذهبي: ٣٥/ ١٠٥.
(٣) الغنية: ص: ١٠١.
(٤) انظر: الذيل والتكملة ٢/ ٤٣٤ وتكملة الصلة، لابن الأبار: ٤/ ٢٢٥، ونيل الابتهاج، للتنبكتي: ٢/ ٣١٩، وجذوة الاقتباس، لابن القاضي: ٢/ ٥٥٢، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ١١٧.
مقدمة / 13
زكرياء الشقراطيسي، وعن عبد الجليل الربعي، وأخذ عنه محمد بن على عرف بابن الرمامة، وموسى بن حماد الصنهاجي وغيرهما، وكان أبو الفضل من أهل العلم والعمل، وكان ممن انتصر لعدم إحراق الإحياء للغزالي،
ولم التقى بأبي الحسن اللخمي سأله ما جاء به، فقال: جئت لأنسخ تأليفك المسمى بالتبصرة، فقال له: إنما تريد أن تحملني في كفك إلى المغرب (١). يشير إلى أن عمله كله في هذا الكتاب، توفي ببلده -قلعة حماد- سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
٤ - أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الصقلي، الغرناطي، الفقيه، المتوفى سنة ٥١٨ هـ (٢):
روى كتاب التبصرة، بإجازة من اللخمي وكان جارًا له وقدم غرناطة تاجرًا ولقي بها ابن عطية وذكر ابن بشكوال أخذ الناس عنه بها ووفاته في طريقها.
٥ - أبو عبد الله، محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري، القيرواني، المتوفى سنة ٥٣٦ هـ (٣):
أحد الأئمة الأعلام، أفقه المالكية في عصره لقب بالإمام، أخذ عن اللخمي وابن عبد الحميد السوسي الصائغ، وغيرهما، جمع بين علوم كثيرة
_________
(١) جذوة الاقتباس، لابن القاضي: ٢/ ٥٥٣.
(٢) انظر: فهرس ابن عطية: ص: ١٤٢، والصلة، لابن بشكوال: ١/ ٥٧٢.
(٣) انظر ترجمته في: الغنية لعياض: صـ ٣٨، وترتيب المدارك، لعياض: ٨/ ١٠١، والديباج، لابن فرحون: ١/ ١٤٧، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ١٢٧ ووفيات الأعيان، لابن خلكان: ٤/ ٢٨٥، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: ٢٠/ ١٠٥.
مقدمة / 14
وبرع في الفقه والأصول والطب، والحساب والآداب، من مصنفاته: "المعلم بفوائد مسلم"، "إيضاح المحصول في برهان الأصول"، "نظم الفرائد في علم العقائد"، تعليق على المدونة، "شرح التلقين".
٦ - أبو الطاهر؛ إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي، المتوفى بعد سنة ٥٢٦ هـ (١):
أخذ عن السيوري، وكان بينه وبين أبي الحسن اللخمي قرابة وتعقبه في كثير من المسائل ورد عليه اختياراته الواقعة في كتاب التبصرة وتحامل عليه في كثير منها.
قال عنه ابن فرحون: من العلماء المبرزين في المذهب المترفعين عن درجة التقليد إلى رتبة الاختيار والترجيح. وله كتاب "الأنوار البديعة إلى أسرار الشريعة" و"التنبيه على مبادئ التوجيه"، وكتاب "التذهيب على التهذيب".
وقد ذكر أخذه عن اللخمي مخلوف في ترجمته له، أعني ابن بشير (٢)، وهو ما تعقبه محقق التنبيه لابن بشير، وهو على جانب كبير من الصواب.
٧ - أبو حفص عمر بن يوسف بن محمد بن الحذاء القيسي الصقلي المتوفى سنة ٥٢٦ هـ (٣):
ولد بصقلية وحج وجاور، ورحل إلى سفاقس، ثم إلى الإسكندرية وبها مات، قرأ على عبد الحق، وابن يونس، واللخمي، قال السلفي: كان من
_________
(١) انظر ترجمته في: الديباج، لابن فرحون، ص: ١٤٣، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ١٢٦، ومعجم المؤلفين، لكحالة: ١/ ٤٨.
(٢) انظر: شجرة النور: ١/ ١٢٦.
(٣) انظر: معجم السفر لأبي طاهر السلفي: هـ ٢٣٥، تاريخ الإسلام للذهبي: ٣٦/ ١٤٨.
مقدمة / 15
مشاهير الزهاد وأعيان العباد، له مجدٌ كبير عند أهل صقلية. اهـ (١)، وحج سنة إحدى وخمسين.
٨ - أبو يحيى ابن الضابط (٢).
٩ - أبو محمد، عبد الحميد بن محمد، المعروف بابن الصائغ، القيرواني السفاقسي المتوفى سنة ٤٨٦ هـ (٣):
تفقه بالعطار، وابن محرز، والتونسي، والسيوري، وهو من أقران اللخمي وقد ذكر الذهبي أخذه عنه (٤)، قال عياض: وكان فقيهًا، نبيلًا، فاضلًا، فهمًا، أصوليًّا، زاهدًا، نظارًا، جيد الفقه، قوي العارضة، محققًا، وأصحابه يفضلونه على أبي الحسن اللخمي -قرينه- تفضيلًا كثيرًا.
مؤلفاته:
لم يعرف لأبي الحسن اللخمي مؤلف غير التبصرة وهي الكتاب الذي نحن بصدده وسيأتي الكلام عليه.
_________
(١) انظر: المقدمة التحقيقية، لكتاب التنبيه على مبادئ التوجيه، لابن بشير: ١/ ٧٧.
(٢) كذا جاء ذكره في شجرة النور (١/ ١١٧) بين تلامذة اللخمي ولم أقف على من ذكره إنما يعرف بابن الضابط السفاقسي أبو عمرو عثمان بن أبي بكر الصدفي، وهو متفدم الوفاة قبل دخول اللخمي لسفاقس. انظر: ترجمته في شجرة النور: ١/ ١٠٩، والديباج، لابن فرحون: ١/ ١٨٨.
(٣) انظر ترجمته: المدارك ج ٨ ص ١٠٥ - ١٠٧، وانظر أيضًا: الديباج المذهب، ج ١، ص ٢٥، شجرة النور الزكية، ص ١١٧؛ تراجم المؤلفين التونسيين، ج ٣ ص ٢٢٥. وشجرة النور لمخلوف: ١/ ١١٧.
(٤) تاريخ الإسلام للذهبي: ٣٢/ ٢٤٢ (ترجمة اللخمي).
مقدمة / 16
تنبيه:
مجموع فتاوى اللخمي جمعها الدكتور حميد بن محمد لحمر، وهي وإن كانت من تراثه الفقهي فهي ليست من مؤلفاته، لكنها مستلة من نوازل البرزلي والمعيار كما أوضح جامعها (١).
ثناء العلماء عليه:
ولقد أثنى العلماء على اللخمي قديمًا وحديثًا، وفيه أُلِّفتِ المؤلفات، ولنبدأ بذكر من أثنى عليه بحسب الترتيب الزمني فنقول:
* قال عنه القاضي عياض: كان مفتيًا متفننًا، جيد النظر، حسن الفقه، جيد الفهم. . . . فقيه وقته، أبعد الناس صيتًا في بلده. . . . حاز رئاسة بلاد إفريقية جملة. . . . . وكان حسن الخلق مشهور المذهب (٢).
* وقال الإمام الذهبي: طال عمره، وصار عالم إفريقيّة (٣).
* وقال ابن فرحون: كان أبو الحسن فقيهًا فاضلًا دينًا متقنًا ذا حظ من الأدب (٤).
قال الحجوي الثعالبي: حسن الفهم جيد الفقه والنظر أبعد الناس صيتًا في بلده (٥).
_________
(١) انظر: صدر الكتاب عن دار المعرفة بالدار البيضاء بالمغرب بعنوان فتاوى أبي الحسن اللخمي.
(٢) المدارك، لعياض: ١٠٩/ ٨.
(٣) تاريخ الإسلام: ٣٢/ ٢٤٢.
(٤) الديباج، لابن فرحون: ١/ ١٠٤.
(٥) الفكر السامي، للحجوي: ٤/ ٥٠.
مقدمة / 17
* وقال عنه مخلوف: الإمام الحافظ العالم العامل العمدة الفاضل رئيس الفقهاء في وقته وإليه الرحلة (١).
* ومن الثناء عليه شعرا ما أورده ابن غازي في فهرسته نقلا عن بعضهم (٢) وإن كانت مجهولة القائل إلا أن في تداولها في مجالس العلم وبين طلبة الفقه ما يؤيد قبولها فهي من أعظم الإشادات بهذا الجبل الراسخ وكأني بها على هذه القافية والروي ترد على مثيلاتها التي سنعرضها في معرض النقود:
واظب على نظر اللخمي إن له ... فضلا على غيره للناس قد بانا
يستحسن القول إن صحت أدلته ... ويوضح الحق تبيانا وفرقانا
ولا يبالي إذا ما الحق ساعده ... بمن يخالفه في الناس من كانا
ومما يدل على علو شأنه ورفعة منزله اعتماد الشيخ خليل عمدة المتأخرين وخاتمة المحققين لكلامه بل كان اللخمي أحد الأربعة الذين بنى عليهم الشيخ خليل ﵀ مختصره، ونص على هذا في مقدمته فقال -عطفًا على قوله: "مشيرًا بفيها للمدونة"-: وبـ "الاختيار" للخمي، لكن إن كان بصيغة الفعل فذلك لاختياره هو في نفسه، وبالاسم فذلك لاختياره من الخلاف (٣).
وكذا سار على نهج خليل من اعتماد كلام خليل كل من جاء بعده كبهرام الدميري والمواق وابن غازي والحطاب الرعيني ومن أتى بعد ذلك.
النقد الموجه له:
على أن اللخمي واختياراته الفقهية قد كانا مثار جدل قديمًا فقد خرجت
_________
(١) شجرة النور، لمخلوف: ١/ ١١٧.
(٢) انظر: التعلل برسوم الإسناد، لابن غازي، ص: ٦٧.
(٣) انظر: مختصر خليل: صـ ١١.
مقدمة / 18
به عن المذهب، قال عياض: "وهو مغرى بتخريج الخلاف في المذهب واستقراء الأقوال، وربما اتبع نظره فخالف المذهب فيما ترجح عنده فخرجت اختيارته في الكثير عن قواعد المذهب" اهـ (١).
وهذا مما حدا بعضهم أن ينشد فيه هذا البيت:
لقد مزقت قلبي سهام جفونها ... كما مزق اللخمي مذهب مالك (٢)
وفاة اللخمي:
توفي اللخمي ﵀ كما ذكرت كتب التراجم والتاريخ- بعد عمر مديد في طلب العلم والتدريس والتصدر للفتوى سنة ٤٧٨ هـ.
_________
(١) انظر: ترتيب المدارك، لعياض: ٨/ ١٠٩.
(٢) انظر: نفح الطيب، للمقري: ٢/ ٢٣٢.
مقدمة / 19
ثانيًا: نظرة حول مكانه "التبصرة" بين الدواوين الفقهية ورد بعض ما أثير حولها
لا تخفى -على ذي نظر ودين - مكانةُ مختصر الشيخ خليل عند فقهاء المالكية المتأخرين، حيث صار عامة أتباع المذهب على المختصر معتمدين، وإليه راجعين، وعنه صادرين، وليس الباعث على ذلك المكانةَ الرفيعةَ لمؤلِّفه -وحسب- بل ثمة أسبابٌ كثيرةٌ تعلي من قدره وتزيد من شأنه؛ أجلُّها أصالةُ المصادر التي استَخرج منها مسائله، وهي تلك التي أشار إليها في مقدمته التي أجاب فيها سائلَه، حيث قال ﵀ ما ملخَّصُه: ". . .سألني جماعةٌ مختصرًا على مذهب الإمام مالك بن أنس، مبينًا لما به الفتوى، فأجبتُ سؤالهم مشيرًا بـ "فيها" للمدونة، وبـ "الاختيار" للخمي، وبـ "الترجيح" لابن يونس، وبـ "الظهور" لابن رشد، وبـ "القول" للمازري" (١).
فاختيارات اللخمي في "التبصرة" عمادٌ من عُمُد المختصر الخليلي، وهي من المختصر بمكان، حتى لو خالف اللخمي فيها غيره من الشيوخ، ألا ترى أنَّ خليلًا رمز في مختصره برمزَين لتمييز ما أورد فيه من أقوال اللخمي فهو يشير إلى اختياره هو في نفسه بصيغة الفعل، وإلى اختياره من الخلاف بصيغة الاسم (٢).
ولا يكاد يخلو كتاب من كتب المالكية الذين جاؤوا بعد اللخمي من نقل كلامه واختياراته في "تبصرته"، فهي من أهم ما يُرجَع إليه في تحرير رواية المتقدمين، وتقريب الأحكام من المتفقهين.
_________
(١) انظر: مختصر خليل: ١/ ١، ٢، ٣، ٤.
(٢) انظر: مختصر خليل: ١/ ٣.
مقدمة / 20