طبیعیات فی علم کلام
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
اصناف
وإذا كان عالم نيوتن آلة ميكانيكية، تسير في مسارها المحتوم وفقا لقوانينها المطردة بفعل عللها الداخلية، في مكان وزمان مطلقين، بإزاء أي مراقب في أي وضع كان، لتختفي فعالية الذات الإنسانية، بل دورها ووجودها، تحقيقا لموضوعية زائفة وموهومة؛ فإن عالم النسبية ليس هكذا البتة، ولا بد من خلق أو على الأقل تحديد منظور وسرعة المراقبة، ولا تتأتى الملاحظة أصلا في عالم الكمومية (الكوانتم) بغير فرض يبدعه العقل ويستنبط منه وقائع الملاحظة.
هكذا أدرك العلم الطبيعي المعاصر أنه نشاط إنساني بحت، وأصبحت فصول المسرحية العلمية تنبثق من قلب الواقع الإنساني بحدوده المعرفية، من خلال الإنسان، لا من خلال مسار الآلة الكونية العظمى، فأصبح العلماء - كما أشار نيلز بور - ليسوا فقط المراقبين أو المشاهدين، بل هم أيضا الممثلون والمخرجون والمؤلفون لملحمة العلم الطبيعي. فحق قول جوزيف مارجوليس: «إن العلوم الفيزيائية محض مغامرة إنسانية.»
38
ولأن صلب هذه المغامرات وطرفيها الأقصيين المنهج والتقانة ضرورة الآن لكل أيديولوجيا نهضوية مستقبلية، كانت أولى واجبات علم الكلام المتجه نحو المستقبل أن يفسح لنا الحلبة، ويلقي في روعنا أو في نسيجنا العقائدي، العزائم والجسارة لخوض أمثال هذه المغامرات. (4) مسك الختام
كان هذا استيعابا وتجاوزا لعلم الكلام القديم، رفضا جدليا لإسرافه في تدمير الطبيعة متوهما أنه يفعل هذا لحساب الله، ولا جناح عليهم، فقد أملت مرحلتهم التاريخية ضرورة إثبات العقائد الإلهية بأي سعر كان.
في مرحلتنا المعاصرة ينطلق علم الكلام الجديد من العقيدة المثبتة، كمقدمة تفضي إلى تأكيد وجود الإنسان المسلم، أولا وقبل كل شيء في العالم الطبيعي الذي يحيا فيه، واستلزم هذا قطعا معرفيا لطبيعيات الأقدمين، كآلية للعقل العلمي الطبيعي (الفيزيوكيماوي) وكتطور مشروع للصيرورة الجدلية.
إثبات وجود الإنسان العربي المسلم في حضارة اليوم والغد ، واستخلافه في الأرض في النماء والعمران ... هو الهدف المحوري الذي تتآزر من أجله الجهود.
ولما كان العبء في تحقيق هذا على كاهل الكلام بوصفه مناط الأيديولوجيا الإسلامية، كان كل هذا يعني أن الألوهية أفق ضروري لكي يثبت الإنسان المسلم وجوده الحضاري المتميز - لكن المعاصر والمستقبلي - بتأكيد الموقف الطبيعي العلمي.
ومشروعنا هذا لشق طريق مستقبلي للطبيعيات في علم الكلام يبلغ الآن مسك ختامه وسدرة المنتهى؛ حيث يحلق حول ربى الألوهية، وهي بطبيعة الحال محور علم الكلام في الماضي وفي المستقبل على السواء، فطالما اعتبر الفقهاء والمتكلمون أسماء الله الحسنى مثلا عليا كي نتبارى في التحلي بها، مما يفتح أمام الوعي المسلم أفقا لانهائيا، تقدما غير متناه، مشروعا لا يقبل الإنجاز النهائي أبدا.
وهل من حلبة لتحقيق مثل هذا التقدم، للتباري في التحلي بالمثل العليا التي تتمثل في الأسماء الحسنى، أكثر شرعية ومشروعية وأصولية من حلبة العلوم الطبيعية.
نامعلوم صفحہ