طبیعیات فی علم کلام
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
اصناف
اتضح في الفصل السابق أن الطرح المستقبلي ينشأ أصلا عن ضرورة التجديد، التي سيطرت على آفاق فكرنا المعاصر، وفي سياقها يأتي هذا البحث - من منظور فلسفة العلوم - طامحا في علم كلام ينطلق نحو المستقبل مسلحا بعتاد الطبيعيات. إنه إذن بحث تجديدي في علم الكلام.
والبحث التجديدي في علم الكلام يعني ضمنا استيعاب وتجاوز علم الكلام القديم، كما يتمثل في نصوص تراث هو تراثنا نحن، نحتويه ويحتوينا، فيتوجب له الاستيعاب؛ لكنه نتاج لظروف تاريخية معينة، وقصورات معرفية جمة، فرضت على متغيراته أشكالا ما، ولما كانت هذه الظروف قد انتهت منذ قرون عديدة خلت، وتراجعت القصورات المعرفية، واتخذت مواقع وصورا مباينة تماما؛ فإنه من الضروري أن يكون استيعاب علم الكلام القديم من أجل تجاوزه، مرتكزين في هذا وذلك على ثوابته.
إن مقولة الاستيعاب والتجاوز تشق طريق علم الكلام إلى المستقبل؛ فهي الرفض العقلاني المثمر البناء، الذي يسلم بالتاريخية ومراحل التاريخ، ويحقق الهدف بالتعامل مع المرحلة في إطار متعيناتها وظروفها، ويبرأ من مثلمة الانشغال بثابت أزلي يعلو على عالم الإنسان في الزمان والمكان، بمطلق مغترب عن الواقع في صيرورته الدائمة.
وإذا تذكرنا إشارة كارل مانهايم إلى أن التفكير الجدلي (الديالكتيكي) يكافح باستمرار للإجابة على سؤالين؛ أولا: ما هو مركزنا في العملية الاجتماعية؟ وثانيا: ما هي متطلبات اللحظة الراهنة؟
1
اتضح أن المقصود بهذا، أو القضية المطروحة هي تاريخية علم الكلام التي ستستفيد من المنهج الجدلي ذي الفعالية المشهودة في مثل هذه المجالات الحضارية الواسعة النطاق. إن هذا البحث يطرح «الاستيعاب والتجاوز» كتناول جدلي لتاريخية علم الكلام.
إن تاريخية علم الكلام بمثابة مصادرة أولية أو بديهية لا بد من التسليم بها؛ فالعقائد إلهية مقدسة ثابتة مطلقة، أما علم الكلام فليس البتة هكذا، بل هو علم إنساني محض، صنعه البشر في زمان محدد وموقف معين، واستجابة لظروف تاريخية معينة، هي كأية ظروف تاريخية، متغيرات، متغيرات سوف تنداح، لتتخلق ظروف تاريخية أخرى، لها متطلبات ومقتضيات أخرى.
وسلاما على فرنسيس بيكون
F. Bacon (1561-1626) أبي الميثودلوجي، علم مناهج البحث، أقوى العوامل الفاعلة في صنع الحداثة الغربية والجذع المتين لفلسفة العلوم، سلاما عليه، وهو يحذر من «أوثان الكهف»؛ أي تصورات البيئة الخاصة حين تسيطر على الذهن بوصفها حقائق مطلقة، ويحذر من «أوثان المسرح»؛ أي أفكار ممثلي وأعلام الفكر السابقين، وكلاهما - أوثان الكهف والمسرح - قائم على الخلط بين النسبي والمطلق وإغفال نسبوية وتاريخية التصورات العقلية.
يقول حسن حنفي : «هناك فرق شاسع بين علم الكلام والعقائد الدينية، فعلم الكلام محاولات اجتهادية لفهم العقيدة أو العثور على أساس نظري لها، وتخضع كل هذه المحاولات للظروف التاريخية التي نشأت فيها، وللأحداث السياسية التي سببتها، وللغة العصر التي عبرت بها، وللمستوى الثقافي الذي ظهرت خلاله. لا يمكن إذن التوحيد بين العقيدة كحقيقة مطلقة، وبين الصياغات التاريخية لها التي تحدث في زمان معين ومكان معين وبلغة معينة، وعلى مستوى ثقافي معين.»
نامعلوم صفحہ