طبیعت اور اس سے آگے: مادہ، زندگی، خدا
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
اصناف
وقد كان البعض عقدوا آمالا كبارا على هاتين الطريقتين، وتوقعوا أن يصلوا بهما إلى قوانين ثابتة معبر عنها بأرقام، فيصبح علم النفس علما «ماديا»، ولكنهم لم يوفقوا إلا لنتائج تافهة، لمنافاة الظواهر الوجدانية لشروط الاختبار المادي، فكانت هذه هزيمة أخرى للماديين.
وثمة مسألة ربما كان المذهب التصوري السبب في إثارتها، وهي: أين يتم الإحساس؟ إن الناس كافة يشعرون أنه يتم في الأمكنة من البدن التي يحدث فيها التأثير. ولكن علماء كثيرين يعتقدون أنه يتم في الدماغ حيث ينقل التأثير؛ وقد يكون الباعث لهم على انتحال هذا الرأي قول ديكارت: إن الإحساس فكر، وإنه فعل النفس بمفردها، وإن النفس في الغدة الصنوبرية. ولهم دليل علمي هو أنه إذا قطعت الصلة بين ألياف الحاسة والدماغ، فلا يكون إحساس. ويؤيدون ذلك بأن المبتور له عضو يحس ألما أو لمسا عضليا في الجزء المفقود، وهذا وهم طبعا. فيستنتجون أن ليست الأعضاء حاسة، بل إن وظيفتها قاصرة على تأدية التأثير إلى الدماغ.
هذا الرأي ليس بأسعد حظا من الآراء السابقة. إن الإحساس يتم في مكان التأثير، وأول الأدلة على ذلك ما نشعر به في غاية الوضوح في الحواس السفلى؛ الشم والذوق واللمس، فنركز الإحساس بالرائحة في المنخرين، والإحساس بالطعم في اللسان والحلق، والإحساس بالصلابة في الموضع من البدن الذي يقع عليه اللمس؛ ولا بد أن يكون الأمر في البصر والسمع على هذا القياس. ثانيا : يثبت ذلك، من جهة واحدة، أن العضو جهاز مخصوص مركب لتأدية وظيفة مخصوصة ، ولو لم يكن هو الحاس وكان مجرد واسطة لنقل التأثير إلى الدماغ لما احتاج إلى هذا التركيب؛ على حين أن الدماغ غير مخصص أو هو أقل تخصصا، ومن ثمة أقل كفاءة لإدراك الكيفيات المتباينة؛ ومن جهة أخرى إن المحروم عضوا منذ الأصل لا يحس الإحساسات المقابلة لهذا العضو، وهو لا يحسها إذا هجنا فيه عصب الحاسة أو مركزه الدماغي. ثالثا: إن انتزاع مخ الحيوان أو تعطيله لا يؤثر في الحساسية، وقد دلت التجارب التي أجريت على الضفادع والعصافير على أنها تجاوب بحركات على التأثيرات، فهي إذن تحس هذه التأثيرات، إن لم تكون منها صورا؛ وليس الدماغ ضروريا، ويكفي النخاع الشوكي لضمان الصلة بين الأعصاب الحاسة والأعصاب المحركة؛ ومن التجارب المذكورة في كتب علم النفس بتر جولتز
Goltz
مخ كلب واسبقاؤه حيا ثمانية عشر شهرا. ففقد كل مهارة في تحريك رجليه الأماميتين، وفقد الحركات المركبة المكتسبة، ولم يكتسب غيرها، ولم يكن يأكل من تلقاء ذاته، ولكنه كان يضطرب إن طال صومه، ولكنه كان يجاوب على الأضواء القوية والأصوات الحادة، وعلى الخصوص الإحساسات اللمسية، بحركات دفاعية، ولم يكن يعرف الناس ولا الحيوانات ولا الأشياء. وفي هذه التفاصيل إشارات إلى وظائف الدماغ ووظائف الحواس. رابعا: لنا في الأبله التام من بني الإنسان، أو الذي في الدرجة الأولى من البله، شبيه بهذا الكلب، فإن وظائفه المحركة جد مختلة، وهو من الجمود بحيث لا يبين عن حاجته للغذاء، ولا بد من إبلاغ غذائه إلى مدخل البلعوم وحينئذ يزدرده، والازدراد فعل منعكس لا يتطلب تفكيرا ولا إرادة؛ ومع ذلك فهو متمتع بحواسه جميعا، كما يثبت من التشريح بعد الوفاة، ويجاوب على التأثيرات الخارجية، فهو إذن يحسها. خامسا: إن الخطأ المأثور عن ذوي الأعضاء المبتورة يؤيد رأينا ولا ينقضه، فإن هذا المدعو خطأ يظهرنا على أن اشتراك العضو في الإحساس أمر توحي به الطبيعة وترسخه العادة، حتى إنه يستمر بعد فقدان العضو؛ ثم إنه متقطع وليس متصلا، إما بسبب الإحساسات السابقة وتوهم أن هذه الذكرى إحساس حاضر، فتركز في العضو كما كانت تركز الإحساسات السابقة، وإما في انقباض عضلات مجاورة للجزء المبتور، وإضافة الإحساس بهذا الانقباض إلى العضو المفقود، إذ يندر أن يتحرك عضل دون أن تنقبض عضلات أخرى قليلة أو كثيرة؛ وربما كان العصب أو طرف العضو المبتور قابلا للتحريك، فلا يكون هناك وهم أو تأويل، بل إحساس صحيح، وبعد فهذه إحدى مسائل اتحاد النفس والبدن، فلها إذن شأن كبير. (5) التخيل والتذكر
يترك الإحساس أثرا في الذهن، فنتمثل هذا الأثر في اليقظة والمنام، ثم نحلله ونركب عناصره تركيبا آخر، فنتخيل أشياء ممكنة فقط، كإنسان يطير، أو شخص واحد نصفه إنسان ونصفه فرس. فالمخيلة هي القوة التي تحفظ صورة ما يرد على الحواس الظاهرة، وتتمثلها في غيبة موضوعها، وتعمل فيها بالتفصيل والتركيب بإشراف العقل وتوجيهه. ولئن كان اسم الصورة مأخوذا من البصر، فإنه يطلق على سائر الآثار الذهنية، إلا أن الصور البصرية أقوى وأوضح وأكثر عددا، وأن الناس يترجمون عن أفكارهم وعواطفهم بالأشكال والألوان، ولا يكادون يستخدمون الأصوات والطعوم والروائح إلا في موضوعاتها، فيقال: صور سمعية وشمية وذوقية ولمسية.
وللصورة فينا نفس مفاعيل الإحساس البدنية والوجدانية، وإن تكن عادة أضعف منها، وقد تكون أشد في الحالات المرضية. ومفاعيل الصور هذه أبرز الشواهد على تعلق المخيلة بالبدن، أي بالجهاز العصبي والدماغ. إذا قويت الصور في الحلم أو في التخيل نشأت عنها حالة «الروبصة»، أي التحرك والتكلم في النوم. والتخيل القوي لصورة زاهية يتعب العصب البصري ويثيره مثلما يثيره الإحساس القوي من صور لاحقة إيجابية وسلبية. وحينما نتخيل شكلا من ستة أضلاع مثلا أو سبعة أو ثمانية نشعر أننا نحاول القيام بحركات بقدر الأضلاع. والذي يفكر في لون من الطعام مستملح يجري ريقه ويترطب لسانه؛ والذي يفكر في طعام مستهجن يشمئز وينفر. ومن باب أولى تخيل الحركات يولد فينا حركات من نوعها، مثلها إذا تخيلت شيئا واقعا إلى يميني، تخيلت الحركة اللازمة لتناوله؛ وحدث في ذراعي تهيؤ لذلك. وكل ما نتخيله فهو يبدو في عضلاتنا وأعصابنا: من هذا القبيل عدوى الضحك والتثاؤب؛ وانتقال حركات الممثلين واللاعبين في مختلف المباريات إلى جسمنا. والمنومون صناعيا إذا وضعناهم في هيئة معينة بعثنا فيهم الحركات المقابلة لها، فهيئة الصلاة وهيئة الغضب وهيئة السرور تبعث كل منها ما تستتبعه من حركات في الحياة الحقيقية؛ وبعكس ذلك لو أوحينا إليهم بفكرة الشلل سقطت الذراع على طول الجسم وانعدمت كل حركة. وكان «كمبرلند» يدعي قراءة الأفكار، وما كان يصنع في الواقع إلا تتبع انقباض عضلات الشخص وانبساطها. هذا قليل من كثير أوردناه لفائدته في مسألة اتحاد النفس والبدن العظيمة الأهمية في الفلسفة، وتيسيرا لمعالجة بعض المسائل الفلسفية الخاصة بالصور.
قبل هذه المعالجة نقول كلمة في الذاكرة؛ كي نلم بموضوع الصور في جملته. فإلى الحفظ والاستعادة ينضاف الذكر، أي الشعور بأن الشيء الذي نتمثل صورته أو نحسه قد سبق إحساسه في وقت ما. وهذا الشعور عبارة عن استئناس وألفة لا يتفقان لنا أمام المدركات الجديدة. وقد تعود الصورة إلى الذهن ولا يصاحبها هذا الشعور فنظنها تخيلا؛ أو يصاحبها شعور ناقص فلا ندري إن كانت تذكرا أو تخيلا؛ أو ينضاف إليها خطأ فنحسبها تذكرا. فالذاكرة قوة متمايزة من المخيلة تزيد عليها الذكر وتعيين الزمان. والذكر إما أولي يتم عفوا في الحيوان والإنسان، أو إرادي يتم بالتفكير، في الإنسان لافتراضه الانعكاس على الذات والبحث والمقارنة وفكرة الزمان، مما يعلو على إدراك الحيوان وليس موضوع البحث مجهولا كل الجهل، وإلا لم يكن موضوع بحث. ولكنه معلوم في صلته بحالة حاضرة، فهو عبارة عن فراغ في الذهن نشعر به شعورا واضحا، ونشعر بأنه لا يمتلئ إلا بالشيء المطلوب، وقد تتردد في الذهن أشياء أخر ونشعر أنها ليست هي المطلوبة.
كيف تحفظ الصور؟ فإن الماديين يزعمون أن الصور الكامنة ضرب من الطوابع أو الرسوم المادية في الدماغ يبعثها من كمونها مرور التيار العصبي بها، ويطلقون عليها أسماء أخرى فيقولون: تغيرات دماغية، وآثار دماغية وتألقات بمعنى أن التألق إضاءة جسم في الظلمة دون اشتعال ولا حرارة. ويسرف بعضهم فيتخيل كل صورة منزلة في خلية من خلايا الدماغ. وكل هذا سذاجة يمتنع وصفها. إنه لخطأ شنيع أن نتصور المخيلة خزانة لصور تظهر في الشعور وتعود إلى الكمون بحسب جريان التيار العصبي. إن الصور من حيث هي صور أو مثل للأشياء لا توجد إلا في اللحظة التي نتأملها فيها، وكلما تجدد التأمل تجددت هي أيضا، أي خرجت من القوة إلى الفعل؛ إذ ليست الصور الكامنة موجودة إلا بالقوة، أي إنها استعدادات نفسية يتركها فينا الإحساس، أو هي كفاية المخيلة للتخيل، وإن كان لهذه الكفاية أساس وشرط في الدماغ ماهيته مجهولة، والأسماء التي وضعوها لها قاصرة عن تبيان حقيقته.
هذه النظرية المادية لا تحسب أقل حساب لما بين الظواهر الفسيولوجية والظواهر الوجدانية من تباين حاسم، ولا تكشف عن سر بقاء الصور مع تغير الخلايا العصبية تغيرا متصلا، وإذا كانت الصور تتغير هي أيضا فلا نستعيدها كما قبلناها بالتمام، بل تعود فاقدة بعض التفاصيل، أو بالعكس كاسبة تفاصيل أخرى، فليس ذلك من أثر التيار العصبي أو مسالك انتشاره كما يقولون، بل من أثر ما نعيرها من اهتمام وانتباه، أي من أثر الجانب الوجداني. وليس قولنا إن الصور تتطور، وتنتظم في مجاميع، وتتداعى، وتعود وتأتلف ... إلخ إلا من قبيل إسناد فعل الفاعل إلى المفعول؛ إذ ليس للصور وجود ذاتي، وإنما ترجع هذه الأفعال جميعا إلى الشخص المتخيل وأحواله الخاصة.
نامعلوم صفحہ