ومنها: إن كبار أئمة الحديث، امامن جملة أصحابه الآخذين عنه، أو عن أتباعه، كالإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن حبان، وابن خزيمة، والبيهقي، والحاكم، والخطابي، والخطيب، وأبي نعيم، وغيرهم، إلى زماننا هذا، وأما من جملة الناقلين لأقواله، الموافقين عليها، المعرضين عن مقالة غيره بالكلية، كالبخاري وغيره، ويكفي شرفا نقل البخاري عنه في صحيحه، ما يذهب إليه، وذلك في الركاز، وفي العرايا، وإنما لم ينقل عنه في سلسلة الحديث، لأن المحدثين يحرصون على الرواية عن الأسبق والأقدم، فقيها كان أو غيره، محافظة على علو الإسناد، ولم ينته الشافعي رحمه الله إلى هذا السن، فإنه مات عن أربع وخمسين سنة، كما ستعرفه، وشيوخه ومن في طبقتهم موجودون إلى قريب موته، وكذلك صحبه أيضا وأخذ عنه وعن أصحابه كبار مشايخ غير الحديث من العلوم والطوائف، كالأصمعي، والأزهري، والهروي، من اللغويين، والشيخ أبي الحسن الأشعري، وابن فورك من الأصوليين، والجنيدوشيخه الحارث المحاسبي والاستاذ أبي بكر الدقاق، والقشيري صاحب الرسالة، من أرباب القلوب، ورضي الله عنهم وعن سائر علماء المسلمين، ورضي عنا بهم. ولما ألفت كتابي الكبير المسمى ب «المهمات في شرح الرافعي» و«الروضة» المشتمل على عشرين نوعا، ومن الله تعالى باكماله، وكان من جملة أنواعه الكلام على ما وقع في الكتابين من أصحاب الشافعي، وحصل ترتيبها على نمط حسن، يأتي ذكره وبيانه بعد هذا بأسطر، فوقعت من الفضلاء موقعا كبيرا، لسهولة الاخراج وتشوقت النفس إلى طبقات مستقلة، جامعة لهذه الأسماء، وغيرها، على هذا الأسلوب، مشتملة على ما تيسر الإطلاع عليه من مواليدهم، ووفياتهم، وأعمارهم، وبلادهم، وشيوخهم، ومما غلب عليهم من الفنون، وشيئا من شعرهم، وتصانيفهم، ومناصبهم التي باشروها، فشرعت فيه من ذلك الحين، ناقلا له التواريخ المشهورة، كتواريخ بغداد، ونيسابور، ودمشق، وبيت المقدس، وكتب الحافظ الذهبي، وغير ذلك، ومن المشيخات المعروفة: كمشيخة السلفي، والزكي عبد العظيم، ونحوهما، والطبقات المشهورة، كطبقات العبادي، والشيخ أبي إسحاق، وابن الصلاح، وهي أعم مما قبلها إلا أنه أسقط أكثر المشهورين من الأئمة كالمزي، والربيع الجيزي، والربيع المرادي، ويونس بن عبد الأعلى، وحرملة؛ وابن أبي الجارود، والزعفراني، والكرابيسي ومحمد بن نصر المروزي، وإبراهيم البلدي، وأبي جعفر الترمذي، وابن المنذر، وابن خزيمة، وأبي الوليد النيسابوري، وابن بنت الشافعي، وابن جربويهوابن سريج، وأبي بكر الصيرفي. وابن الحداد، وأبي طاهر الزيادي، والماسرجسي، وأبي الطيب بن سلمة، وأبي بكر الصبغي، وأبي بكر الفارسي، وأبي الحسن الصابوني، وابن القطان، وابن القاص، وأبي إسحاق المروزي، وابن أبي هريرة، والاصطخري، والزبيري، والداركي، أي بالكاف، قبل آخره، وابن كج، وصاحب التقريب، وأبي حفص الباب شامي، وأبي جعفر الاستراباذي، والشالوسي، وأبي بكر الطوسي، والمحمودي، والأبيوردي، والقاضي الحسين، وأبي علي السنجي، والحناطي، والبنديجي وأبي الربيع الايلاتي، والعبادي، وإمام الحرمين، وابن الصباغ، وابن لآل، والبوشنجي، والسرخسي والبغوي، وصاحب البحر، والشيخ نصر المقدسي، وغيرهم. وكان سببه، أنه جمع غالب الأسماء العربية أولا، ثم مات قبل الحاق الباقي إليه، وقبل تبييض المذكورين، فبيض النووي ذلك، واقتصر عليه، إلا أنه زاد عليه بأسماء قليلة، مميزة عن المذكورة في الأصل، ليس فيها أحد ممن ذكرته الآن، ومنها: وهو أوسع من جميع ما سبق، تصنيف كبير جدا، بعضه بخط المؤلف، وبعضه بخط غيره، ولم أزد عليه تصريحا باسم مؤلفه، لكن رأيت حاشية بخط غير الأصل، أنه للتفليسي الموسوي، ولم يزد على ذلك، وقد ظهر لي أن التصنيف المذكور، اما تصنيف العماد ابن باطيش الموصلي الآتي في حرف الباء الموحدة، فإن له تصنيفا واسعا في ذلك، تقدم ذكره وأما أن يكون ملخصا منه، فإني لم أقف قبل ذلك على تصنيفه المذكور، ولكن وقفت على تصنيف صغير الحجم، مأخوذ منه، والظاهر الأول وهو أنه هو، فإن مصنفه قد ذكر في آخره، أنه فرغ منه في العشر الأوسط من ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة، وتوفي ابن باطيش بعد ذلك، سنة خمس وخمسين وستمائة، وأيضا فإنه ينقل عن أشياخ ابن باطيش بالمشافهة، وعن المواصلة بخصوصهم، فلما اتصفت التصانيف المذكورة من عسر اخراج ما احتيج إلى اخراجه، ومن [. . .] الأعصار المتأخرة عن تراجم أهلها بالكلية والمتقدمة عن كثير منهم، حملني ذلك على هذا التأليف، واستوعبت فيه جميع طبقات، التفليسي، وهي أعم الجميع، إلا أنه فرغ منها قبل عصرنا بسنين كثيرة، كما تقدم قريبا، وجميع من ذكره هؤلاء وغيرهم ومن حدث بعدهم إلى عامنا، إلا أني لا أذكر غالبا إلا من علم تقليده للشافعي، وكان مشهورا بعلم من العلوم، فأما من روى عنه شيئا من المسائل، ولم يعلم تقليده له، أو علم ذلك إلا أنه لم يمهر في علم، بل ولي قضاء أو اشتهر بكثرة رواية أو سند عال من غير تحقيق لعلم ما فلا أذكره، وإن كان قد وقع شيء من ذلك في طبقات ابن الصلاح وغيره، وقد وفق الله تعالى وله الفضل إلى اجتناب ما وقع من الوهم في كل من الطبقات المذكورة، والوقوف على أشياء لم يعثر مصنفوها عليها من تراجم، ومواليد، ووفيات، ونبهت على ما وقع لهم من الاختلاف، وتحريت في ذلك غاية، والفحص وضبطت ما يخشى تحريفه أو تصحيفه، فإن كنت قد شرعت في جمعه من نحو عشرين سنة، أصيد أوابده، وأقيد شوارده، وانا مستمر من ذلك الزمن، وإلى الآن في الفحص عما لم أعثر عليه، والحاق ما يتجدد وتهذيب ما يتحصل، وهكذا غالب ما ألفته، فإن ابتداء الشروع فيه من زمن الحدائة، إلى أن كمل بحمد الله تعالى، غالبه على النحو المطلوب، والمرجو في الباقي كذلك بمنه وكرمه، وإذا كان الشخص مذكور في كتب متعددة، عزوته غالبا إلى أغلبها استعمالاوأكثرها تداولا، حتى أحيل على «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي، و«طبقات ابن الصلاح» التي هذبها النووي أيضا وزاد عليها، و«تأريخ ابن خلكان»، وكتاب «العبر في خبر من غبر» للذهبي، و«التاريخ الكبير» له، ونحوها من كتب المتأخرين مع وقوفي على النقل في الأصول القديمة؛ طلبا للتسهيل عند ارادة الوقوف.
فصل
صفحہ 16