روى الخطيب البغدادي بسنده، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله ﷺ، أنه قال: " إن في أمتي رجلًا "، وفي حديث القصري: " يكون في أمتي رجل، اسمه النعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمتي ".
قال الخطيب، بعد روايته: قلت: وهو حديث موضوع، وتفرد بروايته البورقي.
قلت: قد ذكر أنه موضوع غير الخطيب أيضًا، وإنما ذكرناه نحن هنا لاحتمال صحته في نفس الأمر عند الله تعالى، ولأن معناه متحقق في الإمام رضي الله تعالى عنه، فإنه، بلا شبهة ولا ريب، سراج يُستضاء بنور علمه، ويهتدي بسناء فكره الثاقب، وحُسن فهمه، ولأنه لا يترتب عليه شيء من أحكام الدين، ولا يثبت به قاعدة من قواعد الإسلام.
وروى الخطيب أيضًا، عن الحسن بن سليمان، في تفسير الحديث: " لا تقوم الساعة حتى يظهر العلم " قال: هو علم أبي حنيفة وتفسيره للآثار.
وروى أيضًا عن خلف بن ايوب، أنه قال: صار العلم من عند الله تعالى إلى محمد ﷺ، ثم صار إلى أصحابه، ثم صار إلى التابعين، ثم صار إلى أبي حنيفة وأصحابه، فمن شاء فليرض، ومن شاء فليسخط.
وعن إسحاق بن بهلول، سمعت ابن عُيينة، يقول: " ما مقلت عيني مثل أبي حنيفة ".
وعن إبراهيم بن عبد الله الخلال، قال: سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة آية.
فقال له قائل: في الشر يا أبا عبد الرحمن، أو في الخير؟ فقال: اسكت يا هذا؛ فإنه يقال: غايةٌ في الشر، آية في الخير، ثم تلا هذه الآية: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيةً) .
وعن المبارك أيضًا، قال: ما كان أوقر مجلس أبي حنيفة، كان حسن السمت، حسن الوجه، حسن الثوب، ولقد كنا يومًا في مسجد الجامع، فوقعت حية، فسقطت في حِجر أبي حنيفة، وهرب الناس غيره، ما رأيته زاد على أن نفض الحية، وجلس مكانه.
وعنه أيضًا، أنه قال: لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسُفيان، لكنت كسائر الناس.
وعن أبي يحيى الحماني أنه كان يقول: ما رأيت رجلًا قط خيرًا من أبي حنيفة.
وكان أبو بكر الواعظ، يقول: أبو حنيفة أفضل أهل زمانه.
وعن سهل بن مزاحم، أنه كان يقول: بذلت الدنيا لأبي حنيفة فلم يردها، وضرب عليها بالسياط فلم يقبلها.
وقيل للقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة؟ قال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة.
وحدث الشافعي محمد بن إدريس، قال: قيل لمالك بن انس: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلًا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا، لقام بحجته.
وعن روح بن عبادة، أنه قال: كنت عند ابن جريج سنة خمسين، وأتاه موت أبي حنيفة، فاسترجع، وتوجع، وقال: أي علم ذهب.
قال: ومات فيها ابن جريج.
وروي عن عبد الله بن المبارك، أنه قال: قدمت الشام على الأوزاعي، فرأيته ببيروت، فقال لي: يا خراساني، من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة، يُكنى أبا حنيفة؟!
فرجعت إلى بيتي، فأقبلت على كتب أبي حنيفة، فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئته يوم الثالث وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال: لي أي شيء هذا الكتاب؟
فتناولته، فنظر في مسألة منها وقعت عليها: قال النعمان بن ثابت. فما زال قائمًا بعدما أذن حتى قرأ صدرًا من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم قام وصلى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال: يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق.
فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه.
قلت: هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه.
وعن مسعر بن كدام، أنه قال: ما أحسد أحدًا بالكوفة إلا رجلين، أبا حنيفة في فقهه، والحسن بن صالح في زهده.
وعن إبراهيم بن الزرقان، أنه قال: كنت يومًا عند مسعر، فمر بنا أبو حنيفة، فسلم ووقف عليه، ثم مضى، فقال بعض القوم لمسعر: ما أكثر خصوم أبي حنيفة!! فاستوى مسعر منتصبًا، ثم قال: إليك فما رأيته خاصم أحدًا قط إلا فلج عليه.
وعن أبي غسان، أنه قال: سمعت إسرائيل، يقول: كان نعم الرجل النعمان، ما كان أحفظه لكل حديث فيه فقه، وأشد فحصه عنه، وأعلمه بما فيه من الفقه.
وكان مسعر يقول: من جعل أبا حنيفة بينه، وبين الله رجوت أن لا يخاف، ولا يكون فرط في الاحتياط لنفسه.
1 / 27