ـ[طبقات القراء السبعة]ـ
المؤلف: عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم، ابن السَّلَّار الشافعي (المتوفى: ٧٨٢هـ)
المحقق: أحمد محمد عزوز
الناشر: المكتبة العصرية - صيدا بيروت
الطبعة: الأولى، ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
نامعلوم صفحہ
[مقدمات التحقيق]
كلمة الناشر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث للناس أجمعين، وبعد:
فهذا كتاب في معرفة القراء الكبار، الذين أكرمهم الله تعالى بخدمة كتابه العزيز، وجعلهم من حفظته، ذكر فيه مؤلفه بأسلوب أدبي رائع بليغ فضل القرآن العظيم، وأنه سعادة للناس في دنياهم، ومنجاة لهم في أخراهم، يشفع لقارئه وحافظه، ويرقى به الدرجات العلى في جنات الخلود.
ثم ثنى بذكر أسانيد هؤلاء القراء إلى رسول الله ﷺ، معددا بعض مناقبهم، كنموذج تحتذي به الأجيال وتسير وراءه الأمة، كي تستعيد عزتها وكرامتها التي ضاعت منها يوم ألقته وراءها ظهريا.
ونحن إذ نقدم هذا الكتاب لأول مرة بطبعته المحققة، إنما نعد هذا العمل إثراء للمكتبة القرآنية التي تشكو فقرها وعوزها، كما نعده حسنة من حسنات مؤلفه، شيخ القراء في عصره وصاحب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله جميعا.
نسأل الله تعالى التوفيق لنا في خدمة كتابه العزيز، وأن يجعلنا خير خلف لخير سلف.
الناشر
1 / 5
مقدمة التحقيق
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على خير البرية، خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن القرآن الكريم هو الذكر الحكيم، والنور المبين، تكفل الله ﷿ بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١).
وكان من أسباب حفظه أن قيض له رجالا مخلصين صادقين، من عهد النبوة إلى يوم يرجعون.
تلقاه الرعيل الأول منهم عن المصطفى ﷺ بحفظ دقيق وفهم عميق، ثم جاء من بعدهم خلف صالح عنوا بقراءاته ورواياته، فبرز فيهم أئمة أعلام أجهدوا أنفسهم، ودأبوا ليل نهار في تلقيها وتلقينها، ودراستها وتدريسها، فنسبت إليهم نسبة تمييز لا نسبة إنشاء. أكرمهم الله تعالى بذخر في الآخرة لا يبيد، وبذكر في الدنيا لا يزول، سجلته كتب التاريخ وحفظته دواوين الطبقات.
وكتابنا هذا واحد من أهم الكتب في معرفة القراء وأسانيدهم، ألفه أمين الدين أبو محمد عبد الوهاب بن السّلّار، شيخ قراء دمشق في عصره، صاحب ابن تيمية، وأول أستاذ انتفع به الشيخ شمس الدين بن الجزري الشهير.
استهله مؤلفه بجملة من الأحاديث والآثار، تحث على تعلم القرآن وتعليمه، وتحذر من عاقبة هجره ومخالفة أمره.
_________
(١) سورة الحجر، الآية: ٩.
1 / 7
ثم ذكر أسانيد القراء الذين اصطفاهم الله لخدمة كتابه العزيز، فبدأ بإسناد شيخه تقي الدين بن الصائغ، ثم وحيد الدين الخلاطي، ثم مجير الدين الدمشقي، ثم بدر الدين بن بصخان، ثم مجد الدين التونسي، ثم شهاب الدين الحراني، يذكر أسانيد كل قارئ وإجازاته في جميع القراءات التي قرأها الشيخ بجميع طرقها ورواياتها، على وجه الاستقصاء والتفصيل، من شيخه إلى النبي ﷺ، إلى جبريل ﵇، إلى رب العزة ﷻ.
وعند ذكر إسناد كل قراءة يترجم للقارئ الذي نسبت إليه معددا بعض مناقبه ومحاسنه.
قال المؤلف في ختام كتابه: ومن تدبر هذه الإجازات الشريفة والأسانيد العالية المنيفة، ونظر بعين العلم والإنصاف، وعدل عن التعصب والإجحاف، وجدها من أجل الأسانيد وأعلاها، وأرفع روايات على وجه الأرض وأسناها. اه.
- وقد قمت بتحقيق هذا السفر الجليل على نسخة تلميذه زين الدين عمران بن إدريس الجلجولي- التي كتبها في حياة المؤلف- وعليها بعض تصحيحاته، لم أعثر لها على ثانية، مما ألزمني مضاعفة الجهود، وبذل المزيد من الوقت، والرجوع إلى كثير من المراجع المتخصصة وغير المتخصصة، عساها تجنبني الوقوع في الخطأ، وتمكنني من إدراك الصواب.
- كما قمت بترقيم الآيات القرآنية، وتخريج الأحاديث والآثار، والحكم عليها، ناقلا ذلك عن أهل النقد المشهود لهم بالدقة والإتقان.
- ذكرت ترجمة موجزة للمؤلف، ركزت فيها على أهم جوانب شخصيته ومحطات حياته العلمية.
- وزعت النص إلى فقرات، ورقمته، وضبطت ما يحتاج منه إلى ضبط.
- شرحت بعض الألفاظ والمصطلحات العلمية.
1 / 8
- زودت الكتاب بفهارس للآيات، والأحاديث والآثار، والأعلام، والكتب، والموضوعات.
- وضعت قائمة لأهم المصادر والمراجع التي تم الرجوع إليها.
نسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبله منّا، وأن يجعله صدقة جارية تشفع لنا يوم نلقاه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
أحمد محمد عزوز
1 / 9
ترجمة المؤلف (١)
هو أمين الدين أبو محمد عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن بختيار بن السّلّار، الشافعي، شيخ قراء دمشق في عصره.
ولد سنة ٦٩٨ هـ، وتلا بالسبع مفردا وجامعا بدمشق على الشيخ وحيد الدين أبي حامد يحيى بن أحمد خذاذاذ الخلاطي الشافعي إمام الكلّاسة بجوار المسجد الأموي سنة ٧٢٠ هـ، وعلى الشيخ مجير الدين أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز بن غازي الدمشقي الشافعي بمسجد السلّالين المعلّق سنة ٧١٨ هـ، ثم رحل إلى مصر فتلا بالسبع أيضا على الشيخ تقي الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق الصائغ المصري الشافعي سنة ٧٢٤ هـ، ثم رجع إلى دمشق فتلا بالسبع أيضا على الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن إسماعيل الحراني الحنبلي فوصل عليه إلى سورة المؤمنون وتوفي الشهاب ﵀، وقرأ على الشيخ بدر الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن بصخان بتربة أم الصالح بدمشق سنة ٧١٩ هـ، وسمع من الحجار، والمزي، وأيوب الكحال، وخلق بالشام ومصر وبغداد والبصرة وغيرها.
أخذ عنه القراءة أهل الشام وغيرهم منهم: الشيخ نصر الدين الجوخي، ومحمد بن مسلم الخراط، وأحمد بن البانياسي، وشعبان الحنفي، ومحمد السمناني، ومحمد بن محمد البلوي، وعمر الخفاف، وشمس الدين بن الجزري، وغيرهم.
وكان إماما خيرا جامعا لفنون من العلم كالنحو والفقه والتفسير، انتهت إليه رئاسة الإقراء، وولي المشيخة الكبرى بدمشق بعد الشيخ أبي المعالي محمد بن أحمد بن علي، المعروف بابن اللبان، المتوفى سنة ٧٧٦ هـ.
_________
(١) انظر ترجمته في: «شذرات الذهب» (٨/ ٤٧٤ - ٤٧٥)، وإنباء الغمر (٢/ ٢٩ - ٣٠)، و«الدرر الكامنة» (٣/ ٤٥)، و«الأعلام» (٤/ ١٨٦).
1 / 11
قال شمس الدين بن الجزري: هو أول شيخ انتفعت به، ولازمته، وصححت عليه الشاطبية دروسا وعرضا.
وقال ابن حجر: خرّج له السرمري مشيخة قرئت عليه وحدث بها، وألف في القراءات، وكان يقرئ العربية والفرائض، وله خطب مدونة.
وقال أيضا: كان ثقة صحيح النقل، وله نظم، وألف مؤلفات محررة.
وقال ابن العماد: تفرد بدمشق وأتقن الفرائض والعربية والقراءات وله فيها مؤلفات حسنة مفيدة.
توفي ليلة الأربعاء ١٨ شعبان ٧٨٢ هـ، عن ٨٥ سنة.
قال ابن قاضي شهبة: دفن عند قبر ابن تيمية، وكان يعدّ في أصحابه، وهو متزوج بعض أقاربه.
رحمه الله تعالى، ونفعنا بعلمه، وجعلنا وإياه من المقبولين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
1 / 12
() صفحة الغلاف
1 / 13
() الصفحة الأولى، الوجه (أ)
1 / 14
() الصفحة الأخيرة، الوجه (ب)
1 / 15
[مقدمة المؤلف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وما توفيقي إلا بالله الحمد لله الواحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، هو الذي خلق الأنام بحكمته، وفطر السماوات والأرض بقدرته، الأول بلا عديل، والآخر بلا تمثيل، والأحد بلا نظير، والقاهر بلا ظهير، ذو العظمة والملكوت، والعزة والجبروت، الحي الذي لا يموت، هو الذي لا يئوده حفظ ما ابتدأ، ولا تدبير ما برأ، جلّ عن تحديد الصفات فلا يرام بالتدبير، وخفي عن الأوهام فلا يقاس بالتفكير، لا تتصرف به الأحوال، ولا يضرب له الأمثال، له المثل الأعلى والأسماء الحسنى، أحمده حمد من شكر نعماه، ورضي في الأمور كلها قضاه، وآمن به إيمان من أخلص عبادته، واستشعر طاعته، وأتوكل عليه توكل من وثق به، وفوض أمره إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من اعترف له بالوحدانية والربوبية، وأقرّ له بالصمدانية والألوهية، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى
ورسوله المرتضى، بعثه إلى الثقلين بالدين القيم، والبرهان البيّن، بالكتاب العربي المنور، المنزل على سبعة أحرف من سبعة أبواب، المفضل على كل كلام، والكتاب المحفوظ من التغيير والتبديل، المصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، المنزه قائله عن التشبيه والتجديد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، معجز التأليف والنظام، بائن عن جميع الكلام، خارج/ عن تحسين المخلوقين، تنزيل من رب العالمين، فرض فيه الفرائض، وأوضح فيه الشرائع، وأحلّ وحرّم، وأدّب وعلّم، وأنزله بأيسر الوجوه وأفصح اللغات، وأذن فيه بتغاير الألفاظ واختلاف القراءات، وجعله مهيمنا على كل كتاب أنزله قبل القرآن، ووعد من تلاه حق
1 / 17
تلاوته بجزيل الأجر والثواب والرضوان، وحفظه الله من تحريف المبطلين وخطل الزائغين، وأورثه من اصطفاه من خليقته وارتضاه من بريته، فهم خاص عباده ونور بلاده، فلله الحمد على ما أنعم، وأولى ووهب، وأعطى من آلائه التي لا تحصى، ونعمائه التي لا تخفى.
وصلى الله على نبيه محمد، أمين وحيه وخاتم رسله، صلاة زاكية نامية على مرّ الزمن وتتابع الأمم، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأزواجه أمهات المؤمنين، ثم السلام عليه وعليهم أجمعين.
أما بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على نبيه، فإن أولى ما تفكر فيه المتفكرون، واعتبر به المعتبرون، وأنصت إليه المستمعون، كلام الله، الذي هو شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين.
روي عن النبي ﷺ أنه قال: «يقول الله ﷿: من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين» (١).
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «[كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة] (٢) أبواب على سبعة أحرف، زاجر وآمر/ وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم [به] (٣) وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله،
_________
(١) أخرجه الأنباري في «الإيضاح» (١/ ٥) بهذا اللفظ.
وأخرجه الترمذي (٢٩٢٦)، والدارمي (٢٣٩٩)، وأبو نعيم في «الحلية» (٥/ ١٠٦)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٠١٥)، بزيادة فيه واختلاف في بعض الألفاظ.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال أبو حاتم في «العلل» (٢/ ٨٢):
هذا حديث منكر، ومحمد بن الحسن ليس بالقوي.
وأورده الذهبي في «ميزان الاعتدال» (٣/ ٥١٥)، وقال: حسنه الترمذي فلم يحسن.
(٢) في الأصل: (إن الكتاب أنزل من باب واحد، ونزل القرآن من باب أبواب سبعة)، والمثبت من مصادر التخريج.
(٣) ليست في الأصل، والمثبت من مصادر التخريج.
1 / 18
واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنّا به كلّ من عند ربّنا» (١).
وروي أن جبريل ﵇ أتى النبي ﷺ فقال: «اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل ﵇: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، وكلّ شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة، وآية رحمة بآية عذاب» (٢).
وروي عنه ﷺ أنه قال: «أقرأني جبريل ﵇ على حرف، فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف» (٣).
_________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١/ ٣٠)، وابن حبان (٧٤٥)، والحاكم (١/ ٥٥٣)، من طريق عقيل بن خالد عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن عبد الله بن مسعود بتمامه عن النبي ﷺ.
وأخرج نحوه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ١٠٠)، من طريق عقيل عن ابن شهاب عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن النبي مرسلا بزيادة في آخره.
قال ابن عبد البر في «التمهيد» (٨/ ٢٧٥): هذا حديث عند أهل العلم لا يثبت؛ لأنه يرويه حيوة عن عقيل عن سلمة هكذا، ويرويه الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن النبي ﷺ مرسلا، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود وابنه سلمة ليس ممن يحتج به.
وأخرج معناه الطبراني في «الكبير» (٩/ ٢٦) (٨٢٩٦)، من طريق الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه أن النبي ﷺ قال لابن مسعود ... الحديث. قال الهيثمي (٧/ ١٥٣): رواه الطبراني، وفيه عمار بن مطر، وهو ضعيف جدا، وقد وثقه بعضهم.
وأخرجه مختصرا النسائي في «الكبرى» (٥/ ٤) (٧٩٨٤)، وأحمد (١/ ٤٤٥)، من طريق القاسم بن حسان عن فلفلة بن عبد الله الجعفي موقوفا عن ابن مسعود.
قال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ١٥٣): رواه أحمد، وفيه عثمان بن حسان العامري، وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه ولم يوثقه، وبقية رجاله ثقات.
(٢) أخرجه أحمد بهذا اللفظ (٥/ ٤١)، وأخرجه من طريق أخرى (٥/ ٥١).
قال الهيثمي (٧/ ١٥١): وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو سيئ الحفظ، وقد توبع، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.
وأخرجه مسلم (٨٢٠)، وأبو داود (١٤٧٧)، والنسائي في «الكبرى» (٥/ ٥) (٧٩٨٦)، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ٣٣٦)، بمعناه مطولا، من حديث أبيّ بن كعب.
(٣) أخرجه البخاري (٣٢١٩)، ومسلم (٨١٩) (٢٧٢)، من حديث ابن عباس ﵁.
1 / 19
وروي عنه ﷺ أنه قال: «إن القرآن مأدبة الله، فتعلّموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتّبعه، لا يعوجّ فيقوّم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الردّ، فاتلوه، فإنّ الله يأجركم على تلاوته بكلّ حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول الم عشر، ولكن ألف عشر، [ولام عشر، وميم عشر] (١)».
وروي عنه ﷺ أنه قال: «إنّ الله أهلين من خلقه، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته» (٢).
وروي عنه ﷺ أنه قال: «يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق، فإن كان يهذّه أعطي بقدر هذّه، وإن كان يرتّله أعطي بقدر ترتيله» (٣).
وروي عنه ﷺ أنه قال: «إنّ الله تعالى/ يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» (٤).
وروي عنه ﷺ أنه قال: «إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل ممّا خرج منه» (٥).
_________
(١) في الأصل: (ل عشر، وم عشر)، والمثبت من مصادر التخريج، وسيورده المؤلف، كما أثبتناه من حديث ابن مسعود (ص/ ٤١)، انظر تخريجه هناك.
(٢) سيورده المؤلف (ص/ ٤٢)، من حديث أنس. انظر تخريجه هناك.
(٣) هذا جزء من حديث طويل أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ٨٤ - ٨٥)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٤٩٢ - ٤٩٣)، وأحمد (٥/ ٣٤٨)، والدارمي (٣٤٣٤)، وابن الضريس في «فضائل القرآن» (ص/ ٦٠) (٩٩)، بمعناه، من حديث بريدة ﵁.
وأخرجه عبد الرزاق (١٠١٤)، من طريق يحيى بن أبي كثير قال: بلغنا ...
فذكره، مطولا.
(٤) أخرجه مسلم (٨١٧)، وابن ماجة (٢١٨)، وعبد الرزاق (٢٠٩٤٤)، وأحمد (١/ ٣٥)، والدارمي (٣٤٠٨)، وأبو يعلى (٢١٠)، وابن حبان (٧٧٢)، من حديث عمر بن الخطاب ﵁.
(٥) أخرجه الترمذي (٢٩١٢)، من حديث جبير بن نفير عن النبي ﷺ مرسلا.
وأخرجه الحاكم (١/ ٥٥٥)، من حديث أبي ذر الغفاري ﵁.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
1 / 20
وعنه ﷺ: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» (١).
وروي عنه ﷺ أنه قال: «لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فيقول الرجل: لو آتاني مما أوتي فلان فعلت مثل ما يفعل، ورجل آتاه الله مالا [فهو ينفقه] (٢) في حقّه، فيقول رجل: لو آتاني مثل ما أوتي فلان فعلت مثل ما يفعل» (٣).
وعنه ﷺ أنه قال: «إنّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد»، قيل: فما جلاؤها يا رسول الله؟ قال: «قراءة القرآن» (٤).
_________
(١) أخرجه البخاري (٥٠٢٧)، وأبو داود (١٤٥٢)، والترمذي (٢٩٠٧، ٢٩٠٨)، والنسائي في «الكبرى» (٢٠٣٧)، وابن ماجة (٢١١، ٢١٢)، وعبد الرزاق (٥٩٩٥)، وأحمد (١/ ٥٧، ٥٨، ٦٩)، من حديث عثمان بن عفان ﵁.
وأخرجه الترمذي (٢٩٠٩)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٥٠٣)، والدارمي (٣٣٨٠)، وعبد الله بن أحمد في «المسند» (١/ ١٥٣)، وابن الضريس في «فضائل القرآن» (ص/ ٧٧)، والحاكم (١/ ٥٤٤) وصححه، من حديث علي بن أبي طالب ﵁.
قال الترمذي: وهذا حديث لا نعرفه من حديث علي عن النبي ﷺ إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق. وتعقب الذهبي تصحيح الحاكم بقوله: قابوس فيه لين. وأخرجه ابن ماجة (٢١٣)، والدارمي (٣٣٨٢)، وأبو يعلى (٨١٤)، من حديث سعد بن أبي وقاص.
قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (١/ ٧٢): هذا إسناد ضعيف لضعف الحارث بن نبهان، رواه الدارمي عن المعلى بن راشد عن الحارث بن نبهان به.
(٢) في الأصل: (وهو ينفق)، والمثبت من مصادر التخريج.
(٣) أخرجه البخاري (٥٠٢٦) (٧٢٣٢) (٧٥٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٠٧٣)، وأحمد (٢/ ٤٧٩)، والبيهقي (٤/ ١٨٩)، من حديث أبي هريرة ﵁.
وأخرجه ابن أبي شيبة (١٠/ ٥٥٧)، وأحمد (٢/ ٤٧٩)، وأبو يعلى (١٠٨٥)، مختصرا.
قال الهيثمي في «المجمع» (٣/ ١٠٨): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه البخاري (٥٠٢٥) (٧٥٢٩)، ومسلم (٥١٨)، والترمذي (١٩٣٦)، والنسائي في الكبرى (٨٠٧٢)، وابن ماجة (٤٢٠٩)، والحميدي (٦١٧)، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ١٢٦)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٥٥٧)، وأحمد (٢/ ٩، ٣٦، ٨٨، ١٥٢) بنحوه مختصرا، من حديث عبد الله بن عمر ﵄.
وأخرجه البخاري (٧٣) (١٤٠٩) (٧١٤١) (٧٣١٦)، ومسلم (٨١٦)، وابن ماجة (٤٢٠٨)، وأحمد (١/ ٣٨٥، ٤٣٢)، وأبو يعلى (٥٠٧٨) (٥١٨٦) (٥٢٢٧)، وابن حبان (٩٠)، من طرق عن ابن مسعود بمعناه مختصرا.
(٤) أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٦/ ٤٩٦)، وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ١٩٧)،-
1 / 21
وروي عنه ﷺ: «الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة» (١).
وعنه ﷺ أنه قال: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه» (٢).
وعنه ﷺ: «من حفظ القرآن فكأنما أدرج النبوة بين كتفيه إلا أنه لا يوحى إليه» (٣).
وقال ابن عباس ﵄: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب، وذلك بأن الله يقول (٤): فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (٥) (٦).
_________
- والقضاعي في «مسند الشهاب» (١١٧٩)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٠١٤)، والخطيب البغدادي في «تاريخه» (١١/ ٨٥)، من حديث عبد الله بن عمر ﵄.
قال أبو نعيم: غريب من حديث نافع وعبد العزيز، تفرد به أبو هشام، واسمه عبد الرحيم بن هارون الواسطي.
(١) هو جزء من حديث سيأتي بطوله (ص/ ٣٩) تعليق (٤).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٧/ ٣٤٠)، وأبو يعلى (٦٥٦٠)، والحاكم (٢/ ٤٣٩)، والأنباري في «الإيضاح» (١/ ١٥)، من حديث أبي هريرة.
قال الهيثمي (٧/ ١٦٣): رواه أبو يعلى، وفيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو متروك.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد على مذهب جماعة من أئمتنا. وردّه الذهبي بقوله:
بل أجمع على ضعفه.
وأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ٣٤٨)، من طريق آخر مختصرا.
(٣) أخرجه مرفوعا بمعناه الحاكم (١/ ٥٥٢)، والبيهقي (١/ ٢٥٩)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وأخرجه بزيادة فيه ابن المبارك في الزهد (٧٩٩)، والطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» (٧/ ١٥٩).
قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه إسماعيل بن رافع، وهو متروك. وسيأتي الكلام عن الموقوف (ص/ ٤٣).
(٤) في الأصل: (فيقول)، والمثبت من مصادر التخريج.
(٥) سورة طه، الآية: ١٢٣.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (١٠/ ٤٦٧ - ٤٦٨)، والطبري في «تفسيره» (٩/ ٢٢٥)،-
1 / 22
قال ابن عباس ﵁: تضمن الله سبحانه لمن اتبع القرآن لا يضلّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة (١).
وقوله ﷺ: «من شفع له القرآن يوم القيامة نجا» (٢).
وقوله ﷺ: «تعلّموا القرآن، فإنّه نعم الشفيع لأهله يوم القيامة» (٣).
/ وقوله ﷺ: «اقرءوا البقرة، فإنها تجيء يوم القيامة شفيعا لأصحابها» (٤).
_________
- والحاكم (٢/ ٣٨١)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٠٢٩)، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وأخرجه من طريق آخر الطبراني في «الكبير» (١٢/ ٣٨) (١٢٤٣٧)، و«الأوسط» (٥٤٦٢).
قال الهيثمي (٧/ ٦٧): رواه الطبراني وفيه: أبو شيبة وعمران بن أبي عمران، وكلاهما ضعيف.
وأخرجه عبد الرزاق (٦٠٣٣)، من طريق عطاء عن ابن عباس ﵁.
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩/ ٢٢٥)، عن عكرمة عن ابن عباس قال:
تضمن الله لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا هذه الآية: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى، وانظر الحديث سابق.
(٢) هو جزء من حديث طويل أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ٨٢)، من حديث أنس ﵁.
(٣) هو جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (٨٠٤)، وأحمد (٥/ ٢٥٥)، من حديث أبي أمامة الباهلي بلفظ: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا يوم القيامة لأصحابه ..».
(٤) لم نقف عليه بهذا اللفظ، لكن ورد عند الطبراني في «الأوسط» (٨٨١٨)، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «اقرءوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، تعلّموا القرآن، فإنه شافع لصاحبه يوم القيامة، تعلّموا البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة».
قال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ١٦٨): رواه الطبراني في «الأوسط» عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف، وانظر التعليق السابق.
1 / 23
وقوله ﷺ: «من قرأ القرآن وعمل بما فيه- وفي رواية أخرى: «وعلم ما فيه» - ألبس والده يوم القيامة تاجا ضوؤه أحسن من ضوء الشمس» (١).
وقوله ﷺ: «من قرأ القرآن ألبس والده التيجان والحلل» (٢).
وجاء في الحديث عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «أشراف أمّتي حملة القرآن وأصحاب الليل» (٣).
وما رواه أبو موسى ﵁، عن النبي ﷺ: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة، طعمها طيّب وريحها طيّب» (٤).
وكيف يتعلق بهذه الدنيا من فهم قوله تعالى: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (٥)، وقوله ﷺ: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» (٦).
_________
(١) سيأتي بطوله (ص/ ٣٩) تعليق (٣).
(٢) لم نقف عليه.
(٣) أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٢/ ٩٧) (١٢٦٦٢) دون قوله ﷺ: «وأصحاب الليل».
وأخرجه بتمامه ابن عدي في «الكامل» (٤/ ٣٩٨)، والإسماعيلي في «معجمه» (١/ ٣١٩ - ٣٢٠)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٧٠٣)، والخطيب في «تاريخه» (٤/ ١٢٤)، (٨/ ٨٠).
قال الهيثمي (٧/ ١٦١): رواه الطبراني عن ابن عباس، وفيه سعد بن سعيد الجرجاني، وهو ضعيف.
وقال الذهبي في «الميزان» (٢/ ١٢١): قال البخاري: لا يصح حديثه. يعني:
«أشراف أمتي حملة القرآن ...».
وقال أيضا: وأما حديث حملة القرآن، فرواه عن نهشل، وهو هالك، عن الضحاك عن ابن عباس، رفعه ...
قال الألباني في «السلسلة الضعيفة» (٥/ ٤٣٦) (٢٤١٦): وتعصيب الجناية في هذا الحديث بنهشل أولى، فإنه كان كذابا كما قال أبو داود الطيالسي وابن راهويه.
(٤) أخرجه البخاري (٥٤٢٧)، (٧٥٦٠)، ومسلم (٧٩٧)، وأبو داود (٤٨٣٠)، والترمذي (٢٨٦٥)، والنسائي (٥٠٤١)، وابن ماجة (٢١٤) مطولا.
(٥) سورة الحديد، الآية: ٢٠.
(٦) أخرجه الترمذي (٢٣٢٠)، وابن ماجة (٤١١٠)، والطبراني في «الكبير» (٦/ ١٥٧) -
1 / 24
وقوله ﷺ: «القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه» (١).
وقوله ﷺ: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» (٢).
قال ابن عيينة: يستغنى به، وكذلك أبو عبيد، واحتج بقول من دخل على سعد قال: دخلت عليه وعنده متاع رث، فقال: قال رسول الله ﷺ: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن».
_________
- (٥٨٤٠)، وأبو نعيم في «الحلية» (٣/ ٢٥٣)، من طرق عن سهل بن سعد.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه. وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم.
وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (٢/ ٣٢٢) عن إسناد ابن ماجة: في إسناده زكريا بن منظور، وهو ضعيف، وطريق الترمذي فيه عبد الحميد وهو ضعيف.
(١) أخرجه أبو يعلى (٢٧٧٣)، والطبراني في «الكبير» (١/ ٢٥٥) (٧٣٨)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٦١٤)، من طريق شريك بن عبد الله عن الأعمش عن يزيد بن أبان الرقاشي، وهو ضعيف.
وأخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (١/ ١٨٦ - ١٨٧) (١٧٦)، من طريق الدارقطني قال: وقال الدارقطني: ورواه أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن الحسن مرسلا، وهو أشبههما بالصواب.
قال الألباني في «السلسلة الضعيفة (١٥٥٨): هو ضعيف مرسلا وموصولا؛ لأن مداره على الرقاشي وهو ضعيف، ومدار الموصول عليه من رواية شريك وهو ابن عبد الله القاضي ضعيف.
وقال البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٥٢٩): روي هذا الحديث من وجه آخر ضعيف عن الحسن عن أبي هريرة، وهذا أشبه.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧/ ١٥٩)، من حديث أبي هريرة، وقال عقيبه:
رواه الطبراني، وفيه يزيد الرقاشي، وهو ضعيف.
وأخرجه الخطيب في «تاريخه» (٣/ ١٦) في ترجمة الليث بن خالد المقرئ، عن يحيى بن المبارك اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء عن الحسن عن أنس بن مالك به.
وقال محقق «الشهاب» عبد المجيد السلفي: وهو أيضا ضعيف.
(٢) أخرجه أبو داود (١٤٦٩)، (١٤٧٠)، وابن ماجة (١٣٣٧)، والطيالسي (ص/ ٢٨) (٢٠١)، وابن أبي شيبة (٢/ ٥٢٢)، (١٠/ ٤٦٤)، وأحمد (١/ ١٧٢، ١٧٥، ١٧٩)، والحاكم (١/ ٥٦٩، ٥٧٠)، من حديث سعد بن أبي وقاص ﵁.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا الإسناد. ووافقه الذهبي.
1 / 25
قال أبو عبيد: فذكر رثاث المتاع عند هذا الحديث دليل على أنه أراد الاستغناء، وليس الصوت من هذا في شيء (١).
وقد قال ابن مسعود ﵁: من قرأ سورة آل عمران فهو غنيّ (٢).
وقال:/ نعم كنز الصعلوك آل عمران يقوم بها من آخر الليل (٣).
وفي الحديث: «من جمع القرآن فظنّ أنّ أحدا أغنى منه فقد حقّر عظيما وعظّم صغيرا» (٤).
قال أبو عبيد (٥): ومعنى الحديث أنه لا ينبغي لحامل القرآن [أن] (٦) يرى أحدا من أهل الأرض أغنى منه، ولو ملك الدنيا برحبها، ولو كان وجهه ما تأوله بعض الناس من الترجيع بالقراءة وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقرآن فليس من النبي ﷺ.
قال (٥): ويقول العرب: تغنيت تغنيا وتغانيت تغانيا، بمعنى استغنيت.
قال الأعشى:
وكنت امرأ زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التّغنّ (٧)
يريد الاستغناء.
قلت: ولو كان معنى الحديث ترجيعا للزم أن يكون النبي ﷺ وأصحابه كانوا يقرءون ترجيعا إذ قال: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» (٨)، أي: نحن
_________
(١) ذكر هذه الأقوال أبو عبيد في «غريب الحديث» (٢/ ١٦٩ - ١٧٠).
(٢) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ١٣٧ - ١٣٨)، ومن طريقه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢٦١٥)، ومن طريق آخر عبد الرزاق (٦٠١٥)، والدارمي (٣٤٣٨) وزاد: والنساء محبرة.
(٣) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ٢٣٨)، ومن طريقه الدارمي (٣٤٤١)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٦١٦)، ومن طريق آخر عبد الرزاق (٦٠١٥).
(٤) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢٦١٧).
(٥) «غريب الحديث» (٢/ ١٧١).
(٦) ليست في الأصل، والمثبت من مصدر التخريج.
(٧) ديوان الأعشى (ص/ ٢١١).
(٨) تقدم تخريجه (ص/ ٢٥) تعليق (٣).
1 / 26