بداية النص
بسم الله الرحمن الرحيم
باب ذكر المعتزلة وطبقاتهم
اعلم أنا قد ذكرنا في المختصر أسماءهم وعلة تلقيبهم بها وسند مذهبهم وما أجمعوا «1» عليه ثم تعيين طبقاتهم ثم أعداد فرقهم وانتهاءها «2» الى ثلاث عشرة «3».
أما أسماؤهم
فقد قلنا: هم يسمون المعتزلة لما سيأتي والعدلية لقولهم بعدل الله وحكمته والموحدة لقولهم: لا قديم مع الله، ويحتجون للاعتزال «4» اي لفضله بقوله تعالى: وأعتزلكم «5» (19 مريم: 48) ونحوها وهو قوله تعالى: واهجرهم هجرا جميلا (73 المزمل: 10) وليس الا بالاعتزال عنهم، واحتجوا من السنة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من اعتزل من الشر سقط «6» في الخير، واحتجوا أيضا بالخبر الذي رواه سفيان الثوري عن ابن الزبير «7» عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ستفترق أمتي على «8» بضع وسبعين فرقة ابرها واتقاها الفئة «9» المعتزلة، وهو تمام «10» الخبر، ثم قال سفيان لاصحابه: تسموا بهذا الاسم لأنكم اعتزلتم الظلمة! فقالوا: سبقك بها عمرو بن عبيد وأصحابه، فكان سفيان بعد ذلك يروى «11»: واحدة ناجية.
صفحہ 2
[مسئله وكان السبب في أنهم سموا بذلك أي معتزلة]
مسئله
وكان السبب في أنهم سموا «1» بذلك أي معتزلة «2» ما ذكر ان واصلا وعمرو بن عبيد اعتزلا حلقة الحسن «3» «21» واستقلا بانفسهما، ذكره ابن قتيبة في المعارف.
صفحہ 3
قال الشهرستاني «22»: روي «4» انه دخل واحد على الحسن البصري فقال: يا امام الدين لقد ظهر «5» في زماننا جماعة يكفرون اصحاب الكبائر والكبيرة عندهم «6» يخرج بها «7» عن «8» الملة وهم وعيدية الخوارج، وجماعة يرجئون «9» اصحاب الكبائر والكبيرة عندهم «10» لا تضر مع الايمان بل العمل عندهم ليس من الايمان ركنا «11» ولا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم انت «12» لنا في ذلك اعتقادا؟ فتفكر «13» الحسن في ذلك فقبل «15» ان يجيب ذلك «14» «16» قال واصل بن عطاء: انا لا اقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا «17» ولا كافر مطلقا «18» بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر، ثم قام واعتزل الى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر «19» ما اجاب به على جماعة من اصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنا «20» واصل، فسمي هو واصحابه معتزلة قال الشهرستاني: وقرره بان «1» قال «2»: الايمان عبارة عن خصال خير اذا اجتمعت سمي المرء مؤمنا وهو اسم مدح والفاسق لم يستجمع «3» خصال الخير فلا «4» يستحق اسم المدح فلا «5» يسمى مؤمنا وليس هو بكافر «6» أيضا لأن الشهادة وبعض «7» اعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها لكنه اذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالدا فيها اذ ليس في الآخرة الا الفريقان فريق في الجنة وفريق في السعير لكنه يخفف عنه «8» العذاب ويكون دركته فوق دركة الكفار، وتابعه على ذلك عمرو بن عبيد بعد ان كان «9» موافقا له في العدل وانكاره المعاني في صفات الله تعالى «10»
ومن ثم قلنا: وسموا بذلك منذ اعتزل واصل وعمرو بن عبيد حلقة الحسن
وقيل لقول «11» قتادة- وكان «12» من اصحاب الحسن: ما يصنع المعتزلة؟ فكان تسميتهم «13» بهذا الاسم «14»
صفحہ 4
روي عن عثمان الطويل قال: لقيت قتادة فقال: ما حبسك عنا لعل هؤلاء المعتزلة حبستك عنا؟ قلت: نعم حديث رويته انت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما هو؟ قلت «1»: رويت ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ستفترق أمتي على فرق خيرها وابرها المعتزلة.
وقيل: سموا بذلك لرجوع عمرو بن عبيد الى قول واصل في الفاسق وخالف الحسن وذلك انه لما خالف واصل اقوال «2» أهل زمانه في الفاسق واعتزلها كلها واقتصر «3» على المجمع عليه وهو تسميته فاسقا، ورجع عمرو بن عبيد الى قوله بعد مناظرة وقعت بينهما، سمي «4» واصحابه معتزلة لاعتزالهم كل الاقوال المحدثة، والمجبرة تزعم ان المعتزلة لما خالفوا الاجماع في ذلك سموا معتزلة، قلت «5»: لم يخالفوا الاجماع بل عملوا بالمجمع عليه في الصدر الاول ورفضوا المحدثات المبتدعة «6»
مسئلة
صفحہ 5
وأما سند مذهبهم فقد قال ابو إسحاق بن عياش: وسند مذهبهم اصح اسانيد أهل القبلة اذ يتصل «7» الى واصل وعمرو بن عبيد، قلت «8»: وبيان ذلك ان الامة سبع «9» فرق كما مر فالخوارج مذهبهم حدث في ايام علي عليه السلام وقد ظهرت تخطئته اياهم ومناظرته لهم وقتال من بقي «10» على ذلك الاعتقاد، واما الرافضة فحدث مذهبهم بعد مضي الصدر الاول ولم يسمع عن «11» احد من الصحابة من يذكر ان النص في علي جلي «12» متواتر «13» ولا في اثني عشر إماما «14» كما زعموا فان زعموا «1» ان عمارا وأبا ذر الغفاري والمقداد بن الاسود وسلمان الفارسي «2» كانوا سلفهم لقولهم بامامة علي عليه السلام اكذبهم كون هؤلاء لم يظهروا البراءة عن «3» الشيخين ولا السب لهما «4» ألا ترى ان عمارا كان «6» عاملا لعمر بن الخطاب في الكوفة وسلمان الفارسي في المدائن؟ وقد مر «5» ان أول من احدث هذا القول عبد الله بن سبأ ولم يظهر قبله
واما المجبرة فقد «7» بينا فيما سبق ان مذهبهم انما حدث في دولة معاوية وملوك بني مروان فهو حادث مستند «8» الى من لا ترضى طريقته وسيأتي ما ورد عن افاضل الصحابة في رده فكيف يستند «9» إليهم
واما الحشوية فلا سلف لهم وانما تمسكوا بظواهر الاخبار ولا يرجعون الى تحقيق ولا نظر كما قدمنا «10»
فظهر لك ان هذه المذاهب لا سند لها معمول به بخلاف سائر المذاهب ألا ترى الى سند القراءات «11» كلها كيف اتصل حتى انتهى الى علي عليه السلام وعثمان وابن مسعود وأبي «12» بن كعب وغيرهم، وكذلك فقه أهل العراق اخذوه عن ابي حنيفة عن حماد بن سلمة «15» عن علقمة والاسود عن علي عليه السلام وابن مسعود، وكذلك اخذ أهل الحجاز عن مالك وغيره ومالك عن ربيعة وابي الزناد وغيرهما وهم اخذوا «13» عن افاضل الصحابة «14»، وكذلك أهل الحديث واللغة والنحو كيف اخذ بعضهم عن بعض
صفحہ 6
[مسئلة وأما ما اجمعوا عليه]
قال: وسند المعتزلة لمذهبهم اوضح «1» من الفلق اذ يتصل الى واصل وعمرو اتصالا ظاهرا شاهرا وهما اخذا عن محمد بن علي بن ابي طالب وابنه ابي هاشم عبد الله بن محمد، ومحمد هو الذي ربى واصلا وعلمه «2» حتى تخرج واستحكم، «13» ومحمد اخذ عن ابيه علي بن ابي طالب عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما ينطق عن الهوى (53 النجم: 3) قال الحاكم: وبيان «3» اتصاله بواصل وعمرو انه اخذه القاضي عن ابي عبد الله البصري وابو عبد الله اخذه عن ابي اسحاق بن عياش، وابو اسحاق اخذه عن ابي هاشم وطبقته، وابو هاشم اخذه عن ابيه ابي علي الجبائي، وابو علي اخذه عن ابي يعقوب الشحام، والشحام اخذه عن ابي الهذيل، وابو الهذيل اخذه عن عثمان الطويل وطبقته، وعثمان اخذه عن واصل وعمرو، وهما اخذاه «4» عن عبد الله بن محمد، وعبد الله «5» اخذه «6» عن ابيه محمد بن علي ابن الحنفية، ومحمد اخذه «7» عن ابيه علي عليه السلام، وعلي عليه السلام اخذ عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وما ينطق عن الهوى (53 النجم: 3)
مسئلة
صفحہ 7
وأما «8» ما اجمعوا عليه فقد اجمعت المعتزلة على ان للعالم محدثا «9» قديما قادرا عالما «14» حيا لا لمعان «10»، ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر، غنيا «11» واحدا «12» لا يدرك بحاسة، عدلا حكيما لا يفعل «1» القبيح ولا يريده، كلف تعريضا للثواب ومكن من الفعل وازاح «2» العلة ولا بد من الجزاء، وعلى وجوب البعثة حيث حسنت ولا بد للرسول صلى الله عليه وآله من شرع جديد «3» او احياء مندرس او فائدة لم تحصل من غيره، وان آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن معجزة له، وان الايمان قول ومعرفة وعمل، وان المؤمن من أهل الجنة، وعلى المنزلة بين المنزلتين وهو ان الفاسق لا يسمى مؤمنا ولا كافرا الا من يقول بالارجاء فانه يخالف في تفسير الايمان وفي المنزلة فيقول: الفاسق يسمى مؤمنا، واجمعوا ان «4» فعل العبد غير مخلوق فيه، واجمعوا على تولي الصحابة، واختلفوا في عثمان بعد الاحداث التي احدثها فأكثرهم تولاه وتأول له كما مر وكما سيأتي، وأكثرهم على البراءة «6» من معاوية وعمرو بن العاص «5»، وأجمعوا على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي تعداد علمائهم مصنفات عدة «7» كالمصابيح لابن يزداذ «8» وغيره، وبتمام هذه الجملة تم الكلام على ما اجمعوا عليه.
وأما تعيين طبقاتهم فنقول «9»: قد رتب القاضي عبد الجبار
طبقاتهم ونحن نشير الى جملتها وقد تضمنتها
مسئلة مستقلة
وهي ان طبقاتهم على ما فصله قاضي القضاة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حده هي عشر وانما ذكر في كل طبقة المشهورين من رجال زمانهم «10» لتعذر احصاء ذوي المعارف منهم في كل حين وربما يدخل بعضهم في بعض في الاعصار «11»
صفحہ 8
الطبقة الأولى
الخلفاء الأربعة وهم علي عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، عبد الله بن العباس وعبد الله بن مسعود وغيرهم كعبد الله بن عمر وابى الدرداء «1» وابى ذر الغفاري وعبادة بن الصامت.
صفحہ 9
أما علي عليه السلام فقصة الشيخ الذي سأله عند «2» انصرافه من صفين أكان المسير بقضاء الله وقدره الى آخره مصرح بالعدل وإنكار الجبر، وذلك انه لما انصرف من صفين قام إليه شيخ فقال «3»: أخبرنا «4» عن مسيرنا الى الشام «20» أكان بقضاء وقدر؟ فقال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما «7» هبطنا «8» واديا ولا علونا «9» تلعة الا بقضاء وقدر «5» «10»، فقال «6» الشيخ «11»: عند الله احتسب «12» عنائي «13» ما لي من الاجر شي ء «14»؟ فقال «15»: بل ايها الشيخ عظم الله «16» لكم الاجر في مسيركم «17» وأنتم سائرون وفي منقلبكم «18» وأنتم منقلبون «19» ولم تكونوا في شي ء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين «1»، فقال الشيخ «2»: وكيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا «3»؟ فقال علي «4» عليه السلام «5»: لعلك تظن «6» قضاء واجبا «7» وقدرا حتما ولو كان «8» ذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد «9» ولما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن «10» ولا «11» كان المحسن بثواب الاحسان أولى من المسي ء ولا المسي ء «12» بعقوبة الذنب اولى من المحسن، تلك مقالة اخوان الشياطين «13» وعبدة «14» الاوثان «15» وخصماء الرحمن وشهود «16» الزور «17» واهل العمى عن الصواب في الامور هم قدرية هذه الامة «18» ومجوسها، ان الله تعالى امر تخييرا، ونهى تحذيرا، ولم يكلف مجبرا، ولا بعث الأنبياء عبثا «19»، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (38 ص: 27)، فقال الشيخ «20»:
وما ذلك «21» القضاء والقدر اللذان «22» ساقانا «23»؟ قال : امر الله «24» بذلك وارادته «25» ثم تلا:
صفحہ 10
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا «26» (17 الاسراء: 23)، فنهض الشيخ «1» مسرورا بما «2» سمع «3» وأنشأ يقول (من البسيط):
أنت الامام الذي نرجو بطاعته ... يوم النشور «4» من الرحمن رضوانا «5»
اوضحت من ديننا «6» ما كان ملتبسا ... جزاك ربك «7» بالاحسان «8» إحسانا
وقول ابي بكر وعبد الله بن مسعود في اجتهاداتهما «9» حيث سئل ابو بكر «10» عن الكلالة وابن مسعود عن المرأة المفوضة في مهرها فقال كل واحد منهما حين سئل: اقول فيها برأيي «11» فان كان صوابا فمن الله وان كان خطأ فمني ومن الشيطان «12» «24»، فهذا «13» القول يقضي بذلك اي بالتصريح بالعدل وانكار «14» الجبر
وتعزير عمر لمن ادعى ان سرقته كانت «15» بقضاء الله «16» مصرح بنفي الجبر لأنه أتي بسارق «17» فقال: لم سرقت؟ فقال: قضى الله علي فأمر به، فقطعت «18» يده وضرب اسواطا، فقيل له في ذلك فقال: القطع للسرقة والجلد لما كذب على الله
صفحہ 11
ولما قال محاصر و«19» عثمان حين رموه «20»: الله يرميك «21»، قال «22»: كذبتم لو رماني ما اخطأني، وهذا أيضا «23» يقتضي انكاره الجبر وقول عبد الله «1» بن عمر حين قال له بعض الناس: يا أبا عبد الرحمن ان اقواما يزنون ويشربون الخمر ويسرقون ويقتلون النفس ويقولون: كان في علم الله فلم نجد «2» بدا منه، فغضب ثم قال: سبحان الله العظيم قد كان ذلك في علمه انهم يفعلونها ولم يحملهم علم الله على فعلها، حدثني ابي عمر بن الخطاب انه «3» سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: مثل علم الله فيكم كمثل السماء التي «4» اظلتكم والارض التي «5» اقلتكم «6» فكما لا تستطيعون الخروج من السماء والارض «7» كذلك لا تستطيعون الخروج من علم الله وكما لا تحملكم السماء والارض «8» على الذنوب كذلك لا يحملكم علم الله عليها، ثم قال «9» ابن عمر:
لعبد يعمل المعصية ثم يقر بذنبه على نفسه احب إلي من عبد يصوم النهار ويقوم الليل ويقول إن الله تعالى يفعل الخطيئة فيه، فهذا الخبر مصرح «10» أيضا بانكار القول بالجبر «11»
صفحہ 12
واما ابن عباس ففي مناظراته لمجبرة الشام ما يقطع كل عذر وذلك انه «12» روى عنه مجاهد انه كتب الى قراء المجبرة بالشام: اما بعد أتأمرون الناس بالتقوى وبكم «13» ضل المتقون، وتنهون الناس عن المعاصي وبكم ظهر العاصون، يا ابناء «14» سلف المقاتلين، واعوان الظالمين، وخزان «15» مساجد الفاسقين، وعمار «16» سلف الشياطين، هل منكم الا مفتر على الله يحمل اجرامه عليه وينسبها علانية إليه، وهل منكم «17» الا من السيف «18» قلادته، والزور على الله شهادته، أعلى هذا تواليتم، أم عليه تماليتم «1»، حظكم منه الاوفر، ونصيبكم منه الاكثر «2»، عمدتم الى موالاة «3» من لم يدع لله «4» مالا الا اخذه، ولا منارا «5» الا هدمه، ولا مالا ليتيم الا سرقه او خانه، فأوجبتم «6» لأخبث «7» خلق الله «8» اعظم حق الله وخاذلتم «9» أهل الحق حتى ذلوا وقلوا «10»، وأعنتم أهل الباطل حتى عزوا وكثروا، فأنيبوا الى الله وتوبوا فان الله يتوب «11» على من تاب، ويقبل «12» من أناب
وعن علي بن عبد الله «13» بن عباس «14» قال: كنت جالسا «15» عند ابي اذ جاء رجل فقال: يا ابن العباس «16» ان هاهنا قوما «17» يزعمون انهم أتوا من قبل الله وان الله اجبرهم على المعاصي، فقال: لو اعلم ان منهم هاهنا احدا «18» لقبضت على حلقه فعصرته حتى تذهب روحه عنه «19» لا تقولوا أجبر «20» الله على المعاصي ولا تقولوا لم يعلم الله ما العباد عاملوه «21» فتجهلوه، وعن انس: ما هلكت أمة قط حتى يكون الجبر قولهم
وعن أبي بن كعب: السعيد من سعد بعمله والشقي من شقي بعمله
صفحہ 13
وعن الحسن: ان رجلا من فارس جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: رأيتهم ينكحون أمهاتهم واخواتهم وبناتهم فاذا قيل: لم «22» تفعلون ذلك؟ قالوا: قضاء الله وقدره، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أما انه سيكون في أمتي قوم «1» يقولون مثل ذلك قال: أولئك مجوس أمتي
وسئل صلى الله عليه وآله وسلم عن تفسير: سبحان الله، فقال: هو «2» تنزيهه من كل شر «3»، وكان يقول في بعض توجهاته في الصلاة: والشر ليس أليك
صفحہ 14
الطبقة الثانية
الحسنان عليهما السلام، فقد اشتهر منهما القول بالتوحيد والعدل «1»، قلت «2»:
ومن ذلك كتاب الحسن بن علي عليهما «3» السلام الى أهل «4» البصرة حيث قال فيه:
من لم يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر، ان الله لا يطاع استكراها ولا يعصى لغلبة «5» لانه المليك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه فان عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا وان عملوا بالمعصية فلو شاء حال بينهم وبين ما فعلوا فاذا لم يفعلوا فليس هو الذي اجبرهم على ذلك فلو اجبر «6» الله الخلق على الطاعات لاسقط عنهم الثواب ولو أجبرهم على المعاصي لأسقط عنهم العقاب ولو اهملهم لكان عجزا «7» في القدرة ولكن له فيهم المشيئة التي غيبها عنهم فان «8» عملوا بالطاعة «9» كانت له المنة عليهم وان عملوا بالمعصية كانت له الحجة عليهم تم كلامه عليه السلام «10» وهو على ذهني عن بعض «11» التواريخ المصحح سندها ولم اظفر به حال التأليف ولا ذكرته بعينه فيبحث عنه.
ومن كلام الحسين بن علي عليهما السلام «12» ... وعلي بن الحسين ومحمد بن علي فكلماتهم «14» في العدل مشهورة «13»، اما الحسنان فقد مر طرف من كلامهما فيه.
صفحہ 15
واما محمد ابن الحنفية «15» فقد مر ان واصلا اخذ علم الكلام عنه وصار كالاصل «16» لسنده، وله منزلة عظيمة في الفضل والعلم «17»، قال الحاكم: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن لعلي عليه السلام اذا حدث له ولد ان يسميه باسمه ويكنيه بكنيته فلما ولد سماه محمدا وكناه أبا القاسم، وكلامه في علم الكلام اوسع من كلام الحسنين وان كانا «1» افضل منه لمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإمامتهما، وسئل ابو هاشم عن «2» محمد بن علي عن مبلغ علمه فقال: اذا اردتم معرفة ذلك فانظروا الى اثره في واصل بن عطاء، وقال شبيب بن شبة: ما رأيت في غلمان ابن الحنفية اكمل من عمرو بن عبيد، فقيل له: متى اختلف عمرو بن عبيد الى ابن الحنفية؟ فقال: ان عمرا «3» غلام واصل وواصل غلام محمد
ومقامات بقية «4» أهل البيت «5» في العدل «6» كثيرة كمقام علي بن الحسين مع زياد «7» وغيره فانه لما وصل الى زياد «8» بن ...
ومن هذه الطبقة من التابعين سعيد بن المسيب، فانه ذكره جماعة من أهل التواريخ «9» في أهل العدل وفضله وعلمه مشهور
ومنها طاوس اليماني، وهو من اصحاب علي عليه السلام اخذ عنه، اختصم إليه رجلان فقال احدهما عند المخاصمة: لهذا خلقنا، فقال طاوس:
كذبت، فقال الرجل: أليس الله تعالى يقول: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم «10» (11 هود: 118 - 119)؟ فقال طاوس: انما خلقهم للرحمة والجماعة
ومن هذه الطبقة اصحاب علي عليه السلام كأبي الاسود الدؤلي وغيره واصحاب عبد الله «11» بن مسعود وهم علقمة والاسود وشريح «12» وغيرهم وفيهم «13» كثرة وقد ذكرت اكاليمهم المتعلقة بالعدل في كتب التأريخ «14»
صفحہ 16
الطبقة الثالثة
الطبقة الثالثة منقسمة فمن العترة الطاهرة الحسن بن الحسن وابنه عبد الله بن الحسن «1» واولاده النفس الزكية وغيره «2»، ومن اولاد علي عليه السلام ابو هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية وهو الذي اخذ عنه واصل وكان معه في المكتب فاخذ عنه وعن ابيه وكذلك اخوه الحسن «3» بن محمد استاذ غيلان ويميل «11» الى الارجاء ولهذا قالت به الغيلانية من المعتزلة
ومن هذه الطبقة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ابو الخلفاء، بعثه ابوه الى ابي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية
ومنها زيد بن علي حيث «4» قال حين سأله ابو الخطاب عما يذهب إليه: أبرئ «5» من القدرية الذين حملوا ذنوبهم على الله ومن المرجئة الذين اطمعوا «6» الفساق «7» في عفو الله، فهذا آخر الخبر
صفحہ 17
ومن هذه الطبقة محمد بن سيرين بن محمد «8»، وفضله في فنون العلم مشهور «9»، وقد روي عنه انه واصحابه مروا برجل مجلود فقال قائل: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به، فقال ابن سيرين: لا تقولوا هكذا ولكن قولوا: الحمد لله الذي عافانا مما سولت له نفسه ثم ذكر حديث عمر مع السارق وقد مر، «12» وروي ان رجلا قال عنده: ان فلانا كما شاء «10» الله، فقال. مه فان الله لا يشاء الا خيرا ومنهم الحسن بن ابي الحسن البصري وهو ابو سعيد، وكان ابوه من ميسان «1»، ولد في المدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر ومات وهو ابن سبع «2» وثمانين سنة، وكانت أمه «3» مولاة لأم «4» سلمة وكانت ربما غابت في حاجة لأم سلمة وأم سلمة تأخذ الحسن فتسكته بثديها «5» وقيل ان الحكمة التي رزق كانت من ذلك، «10» وروي ان أم سلمة رضي الله عنها اخرجته الى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عمر: فقهه في الدين «11» «12»
قال الحسن: كنت في المدينة يوم قتل «6» عثمان وكنت ابن اربع عشرة سنة وروى الحسن ان امير المؤمنين لما بلغه قتل عثمان وهو في ناحية المسجد رفع «7» يده وقال «8»: اللهم لم ارض ولم أمالئ «9»
صفحہ 18
وهو سيد التابعين ومحله في الفضل والعلم ودعاء الناس الى الدين مشهور وروى داود بن ابي هند قال: سمعت الحسن يقول: كل شي ء بقضاء الله وقدره الا المعاصي «17»
ورسالته «1» الى عبد الملك «2» مشهورة وذلك ان الحجاج كتب الى الحسن: بلغنا عنك في القدر شي ء فاكتب إلينا بقولك «3»! فكتب إليه رسالة «18» طويلة «4» نحن نذكر منها أطرافا منها قوله:
سلام عليك «5» اما «6» بعد فإن الأمير أصبح في قليل من كثير مضوا والقليل من أهل الخير مغفول عنهم وقد أدركنا السلف الذين قاموا لأمر الله واستنوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبطلوا حقا ولا ألحقوا بالرب تعالى الا ما ألحق بنفسه ولا يحتجون إلا بما يحتج «7» الله تعالى به «8» على خلقه «9» وقوله الحق: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (51 الذاريات: 56) ولم يخلقهم لأمر «10» ثم «11» حال بينهم وبينه لأنه تعالى ليس بظالم للعبيد ولم يكن احد في السلف «12» يذكر ذلك ولا يجادل «13» فيه لانهم كانوا على امر واحد وانما احدثنا الكلام فيه لما احدث الناس «14» النكرة له فلما احدث المحدثون في دينهم ما احدثوه احدث الله للمتمسكين بكتابه ما يبطلون به «15» المحدثات ويحذرون به من المهلكات
صفحہ 19
ومنها قوله: فافهم ايها الامير ما اقوله فان ما «16» ينهى الله عنه فليس منه لانه «1» لا يرضى ما يسخطه من العباد لانه تعالى يقول: ولا يرضى لعباده الكفر (39 الزمر: 7) فلو كان الكفر من قضائه وقدره لرضي عمن عمله
ومنها قوله: ولو كان الامر كما قال المخطئون لما كان لمتقدم «2» حمد فيما عمل ولا «3» على متأخر لوم «4» ولقال تعالى: جزاء بما عملت بهم، ولم يقل: جزاء بما كانوا يعملون (32 السجدة: 17، 56 الواقعة 24، 46 الاحقاق: 14)
ومنها قوله: إن أهل الجهل قالوا: فإن الله «5» يضل من يشاء ويهدي من يشاء (35 فاطر: 8) ولو نظروا الى ما قبل الآية وبعدها لتبين لهم ان الله تعالى لا يضل الا بتقدم الفسق والكفر «6» لقوله تعالى: ويضل الله الظالمين (14 ابراهيم: 27) اي يحكم بضلالهم «7»، وقال: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم (61 الصف: 5)، وما يضل به إلا الفاسقين (2 البقرة: 26)، قلت «8»: وسيأتي الخلاف بين اصحابنا في جواز سلب اللطف عقوبة وهذا الكلام يوهم جوازه كقول الزمخشري والحاكم والإمام المنصور بالله.
ومنها قوله «9»: واعلم أيها الامير ان المخالفين لكتاب الله وعدله يقولون «10» في امر دينهم بزعمهم على القضاء والقدر ثم لا يرضون في امر دنياهم الا بالاجتهاد والبحث والطلب والاخذ بالحزم فيه ولا يعملون «11» في اكثر دنياهم على القضاء والقدر
صفحہ 20
ومنها قوله محتجا بقوله تعالى: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها (91 الشمس: 9 - 10) فلو كان هو الذي دساها لما خيب نفسه تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا «12» نعم وله مع الحجاج «1» مناظرات وكان لا يرد عليه احد «2» كما يرد عليه الحسن ولما «3» توفي الحجاج وبلغه قال: فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين (6 الانعام: 45) اللهم كما أمته فامت عنا «4» سنته! «10» «11»
ومر الحسن بلص يصلب فقال: ما حملك على هذا؟ فقال: قضاء «5» الله وقدره، فقال: كذبت أيقضي عليك أن تسرق ويقضي «6» عليك أن تصلب؟
وسئل انس عن مسئلة فقال: سلوا مولانا الحسن! فقيل له «7»: أتقول ذلك له؟ فقال: سلوا مولانا «12» الحسن فانه سمع وسمعنا وحفظ ونسينا «13»
وسمعت عائشة رضي الله عنها كلام الحسن فقالت: من هذا الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء؟ وروي نحوه عن محمد بن علي
صفحہ 21