المسألة لا شك أن لها تأثيرًا في الاعتقاد، إذا كانت عن رضى واختيار، ولكن الواضح من أمرهم أنهم سُجِنوا وهُدّدوا، فأخذوا بالرخصة، وأجابوا تقية، وقد قال تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ (^١)، وقال تعالى:؟ ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا …﴾ الآية (^٢) فالله قد أذن لمن لم يستطع الصمود والصبر والأخذ بالعزيمة أن يأخذ بالرخصة إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان، ومن المقرر أن الإيمان يزيد وينقص وأن المرء قد يضعف عن تحمّل بعض المواقف، وإن كان المأمول في العالم القدوة أن يأخذ بالعزائم ويصبر على ما يلاقي في سبيل الله، كما فعل الإمام أحمد بن حنبل في هذه القضية، ولعل ذلك ما يوضح سبب غضب الإمام أحمد من موقف الذين أجابوا في الفتنة من العلماء، وحلفه اليمين بأن لا يكلم أحدا ممن أجاب في المحنة حتى يلقى الله ﷿، وكراهته الكتابة عنهم (^٣).
ولكن رغم هذا الموقف من ابن سعد إلا أننا لم نجد أحدًا من العلماء الذين ترجموه، قد عابه بهذا الموقف، لأن الأمر فيه رخصة من الله وما فعله لا يتعدى القول باللسان وقت الإكراه والتهديد.
وقد أورد العلماء أقوال ابن سعد في جرح الرجال وتعديلهم في كتبهم (^٤) ولم يَطْرَحُوا قوله بسبب هذا الموقف.
_________
(^١) سورة آل عمران، آية ٢٨ وراجع تفسير الآية في تفسير الطبري: ٣/ ٢٢٨.
(^٢) سورة النحل، آية ١٠٦ وراجع تفسيرها وسبب نزولها في تفسير الطبري: ١٤/ ١٨١.
(^٣) انظر مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي: ص ٣٨٨ - ٣٨٩، وميزان الاعتدال: ٤/ ٤١٠.
(^٤) ذكره الذهبي فيمن يعتمد قوله في الجرح والتعديل في الطبقة الرابعة: ص ١٧٢.
1 / 28