ولذلك فقد كانت ثقافته متنوعة وواسعة، وكتاب الطبقات الكبرى يُمَثّل سعة علمه وثقافته. وقد شهد له العلماء بسعة العلم وطُولِ الباع فيه، فقال تلميذه وأحد رواة كتاب الطبقات، الحسين بن فهم: "كان كثير العلم، كثير الحديث والرواية، كثير الكتب، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه (^١)، وقال الخطيب البغدادي: "وصنّف كتابا كبيرا في طبقات الصحابة والتابعين والخالفين إلى وقته فأجاد فيه وأحسن" (^٢)، وقال الذهبي: "كان من أوعية العلم ومن نظر في الطبقات خضع لعلمه" (^٣).
والمادة التي دونها ابن سعد في كتاب الطبقات تدل على سعة علمه وتعدد معارفه ومشاركته في كثير من الميادين العلمية، ففي الطبقات معلومات في الأنساب واسعة ودقيقة، وكذا في الأخبار والحوادث، وفي معرفة الرجال وجرحهم وتعديلهم، وفي رواية الحديث وطرقه وفي الأحكام الفقهية، والسنن والآداب التي اتصف بها السلف من الصحابة والتابعين، وفي الخطط والمباني والمزارع والآبار والمحاصيل الزراعية، كما نجد معلومات طيبة عن أنواع الأطعمة والألبسة والأثاث المستخدم في المنازل، بل نجد ابن سعد يهتم بجمع المعلومات عن الصفات الشخصية لِلْعَلَم الذي يترجم له، فيذكر صِفَةَ شَعْرِهِ وكثافته، وشيبه، وصبغه للشعر، وهيئة ونوع لباسه، ومقدار ثمنه، والطيب الذي يستخدمه، ومواصفاته الجسمية فيما إذا كان الشخص طويلًا أو قصيرًا، وما أُصيبَ به من العاهات، إلى غير ذلك الصفات الخَلْقية والخُلُقِيّة، من مما يدل على اهتمام بهذا النوع من المعرفة الذي من الممكن أن تقوم عليه اليوم دراسات اجتماعية نافعة.
_________
(^١) الطبقات الكبرى: ٧/ ٣٦٤.
(^٢) تاريخ بغداد: ٥/ ٣٢١.
(^٣) سير أعلام النبلاء: ١٠/ ٦٦٥.
1 / 26