السبب هو أن الواحد متى تجند في الحزب أصبح يحس حدة مشكلات بلاده؛ فالحدة في نفسه، فهو ناقم على كل مواطن يحسب نفسه سائحا في بلاده، متفرجا على ما يجري، وهو كذلك يوقن أن أمر إنقاذ بلاده هين إن تحسس مشاكلها كل مواطن، فهو عنيف ينحو باللائمة على المتفرجين، ثم إن النظام الحزبي وما توقظ بالرفيق «روح الجماعة» يجعله مقاتلا، هذا العنف في الحديث وفي الكتابة أضعف الحزب بأن أبعد عنه الكثيرين، ولكن ما حيلتك وأكثر رأسمال الحزب - كأكثر رأسمال أي جيش - أن أفراده، يجب أن يكونوا ملتهبين حماسة بالإيمان مستعدين للصراع.
وما دمنا قد جئنا على ذكر جبران حايك، فما قولك أنني اليوم أخاطبه، ويخاطبني، ب «حضرة الرفيق»، ولماذا كل هذه «العجقة» في الاصطلاحات، وفي السلام، وفي الجلوس، وفي افتتاح الجلسات واختتامها؟
الجواب بسيط؛ كل شيء مدروس وله أسباب سيكولوجية، وأكثر ما نمارسه تمارسه سوانا من المؤسسات الراقية. إن مخاطبة سواك ب «يا حضرة الرفيق» يغمركما بلياقة وكياسة تمنع الاصطدام؛ فكم من مرة كاد يتضارب أحدنا مع الآخر لولا حضرة الرفيق، يستحيل أن تقول لأحد مثلا: «حضرة الرفيق يلعن أبوك»؛ فهذه الكياسة المفروضة، وهي تمارس في كل الجيوش - تصون التعامل، فيما تصون وتستبقيه في دائرة الكياسة.
وبعد، فهذه حركة هي إنقاذ، كذا قالت للناس، كذا قالت لنفسها، كذا وعدت وكذا تنفذ.
من يقدر أن يخطط لعظائم الأمور، جالسا إلى كأس عرق أو في جو من الدعاب. في الكنيسة، وفي المسجد، وفي مكاتب العمل طقوس عبادة، وسلوكية عمل، وهذه الحركة تتبع مناقبية سلوك وشكليات تزعج المتفرجين على بلادهم؛ فهي ضعف بأنها لا تستهويهم إلى صفوفها، ولكن هذه النهضة لا تتودد إلى السواح بل إلى المناضلين.
يا حضرة القارئ - حضرة الرفيق - كل تغير، كل تمرد، كل تحول، كل ثورة فيها الغريب، وكل جديد غريب، وحركتنا فيها الغرابة، فيها غير المألوف؛ لأنها في جوهرها تريد أن تغترب عن المألوف الذي حجرنا.
علاقة الرئيس شمعون بالحزب القومي
كثرت كتابة المأجورين في الأسابيع الأخيرة عن صداقات ود، تربطني بفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، وعن اجتماعات الرئيس بجورج عبد المسيح، بل إن مسئولا كبيرا في دمشق، تعلم أساليب الدعاية المرهفة، راح يوشوش زائريه مستحلفا إياهم بحفظ السر أن بين يدي حضرة المسئول في دمشق صورة رئيس الجمهورية، مجتمعا إلى جورج عبد المسيح، واندفع مأجور آخر يذكر الناس بخطاب ألقيته في حفلة «الكتائب»، وبخطاب آخر في حضرة الرئيس السابق بشارة الخوري، الذي كنت معه كأني من أهل بيته ألاعبه «البردج» في السهرات. ***
من أكبر مواطن الضعف في الحزب القومي أن ليس فيه من يلاعب رؤساء الجمهوريات - البردج، وليس فيه من يدخل قصر الجمهورية كأنه من أهل البيت.
وما دمنا قد جئنا على هذا الموضوع؛ فلا بأس من أن أذكر أن الخطاب الذي ألقيته في حفلة الكتائب، وعنوانه: «خطاب يفتش عن موضوع» كان من جملة الأسباب التي حفزت بعض مسئولي الحزب السوري القومي إلى دعوتي إليه، وأن خطابي «القرميدة المكسورة»، الذي ألقيته في حفلة الرئيس بشارة الخوري كان أعنف انتقاد وجه إلى رئيس جمهورية، ضمن كياسة الأدب، ألقي في حضرته، كلاهما منشوران في كتابي «سيداتي سادتي».
نامعلوم صفحہ