تأثر الثقافة العربية بالثقافة اليونانية
تأثر الثقافة العربية بالثقافة اليونانية
اصناف
6
ثم قال: كانت أهل البادية من أحوج الناس إلى معرفة الكواكب الثابتة الكبرى ومواقع طلوعها وغروبها؛ لأنهم كثيرا ما اضطروا إلى قطع الفيافي والقفار ليلا مهتدين برؤية الدراري، فلولاها لضلت جيوشهم وهلكت قوافلهم في الكثبان والبراري، كما ورد في سورة الأنعام (الآية 97):
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر .
فلا غرو أنهم عرفوا عدة من الكواكب الثابتة وسموها بأسماء مخصوصة، يذكر جزء منها في أشعارهم مثل الفرقدين والدبران والعيوق والثريا والسماكين والشعريين وغيرهما، ولكن لا يتوصل إلى فهم سعة معرفتهم بالكواكب الثابتة إلا من اطلع على كتاب أبي الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي (المتوفى سنة 376ه/986م) في الكواكب والصور؛ فإنه عند وصف كل صورة على طريقة الفلكيين، جمع أسماء الكواكب المستعملة عند عرب البادية، فبلغت هذه الأسماء عدد نحو مائتين وخمسين أو أكثر، فمن كتاب عبد الرحمن الصوفي ومن أقوالهم في منازل القمر، ترى أيضا أنهم في إثبات الصور النجومية، سلكوا طريقة فلكيي اليونان، حتى لا نجد في الأكثر موافقة بين صورهم وصور اليونان.
هذا طرف مما وصل إلينا من علم العرب قبل الإسلام، على أن التدقيق في أشعارهم يدل دلالة واضحة على أنهم كانوا ذوي نظر نافذ وقريحة وضاءة يستدل بها على استعدادهم الفطري لاستيعاب المعارف، على أنه لا ينبغي أن نغفل عن أن ما ضاع من آثار الأقدمين، وبخاصة علومهم التي لم يقيدوا إلا طرفا منها، يحول دون الحكم الصحيح على مقدار ما حصلوا من المعارف والفنون المختلفة، ولا يخرج العرب عن حكم ذلك فإنهم في جاهليتهم تجري عليهم الأحكام التي جرت على غيرهم من أهل الحضارات القديمة، وهم في إسلامهم قد نزلت بهم من النكبات والكوارث ما لا يقاس به ما نزل بالأمم الأخرى، إلا أن يكون القياس مع الفارق البعيد.
الفصل الثاني
مسالك الحضارة اليونانية إلى العرب1
كان الخلاف على طبيعة المسيح مبدأ مناقشات تناولتها الشيع الكنسية في القرون الأولى من انتشار المسيحية، وكان لاختلاف المذاهب في تلك المسألة أثر كبير في أن ينزع العقل إلى النظر والتأمل الفلسفي.
اشتهرت «أنطاكية» بأنها من أولى مدن المسيحية التي قام زعماء الدين فيها بأول حركة من تلك الحركات الفكرية التي كانت ذات أثر كبير في شيوع الفلسفة، وفروع الفلسفة اليونانية خاصة، ذلك عقيب مناظرات دينية طويلة لا محل لذكرها، وقام بالحركة في أنطاكية معلمان، أحدهما: «ديودورس»، والآخر: «تيودورس المصيصي»، وكانا شديدي الاعتقاد في كمال ناسوتية المسيح عليه السلام.
كان من أكبر المؤيدين لهذا المذهب راهب من رهبان أنطاكية يقال له: «نسطوريوس»، انتقل إلى القسطنطينية أسقفا لها سنة 428م، وتبع تأييد «نسطوريوس» لهذه الفكرة مناقشات حادة، انتهى أمرها بعقد مجلس ديني في مدينة «إفسوس» سنة 431م فانتصر حزب الإسكندرية، وهو الحزب المنابذ للمذهب النسطوري، واعتبر «نسطوريوس» وأتباعه هراطقة، غير أنهم بالرغم من ذلك جمعوا أمرهم بعد مضي عامين من حكم مجلس «إفسوس» ونزلوا مصر واتخذوها مقرا لبث تعاليمهم.
نامعلوم صفحہ