وتلك صيحة لن تفتأ تتردد آخر الدهر، وفى هذه الحجة الممهدة لحجة الوداع فيما بعد كان أبو بكر يقف بمختلف المنازل فيعلم الناس مناسكهم ويعرفهم شعائرهم، فإذا أتم إرشاده خلفه على بن أبى طالب فى موقفه، وأسمع الحجيج قاطبة آى السورة التى نزعت من مطلعها رحمة الله بالجاحدين، وبين أنه بعد أربعة أشهر ستطارد الوثنية من أرض الجزيرة. كان فى كل موقف جامع يتلو على الناس هذه السورة، وكان أبو هريرة يمشى كذلك بين صفوف الحاج، يخترق خيامهم، ويجوس خلال مضاربهم وهو يصرخ بأعلى صوته: "لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان "، وكانت الكثبان الجاثمة والآفاق البعيدة تردد مع الصائح هتافه، وتؤكد فى مقاطعه طلائع الفوز، وتسوق إلى أفئدة المشركين سحائب من القنوط والهزيمة.. وظل أبو هريرة يهتف ويهتف. حتى بح صوته وخفت نبرته، فسكت.
* * * *
* لا يغرنك تقلب الذين كفروا:
لقد كان صاحب هذه السيادة المطلقة ينهى عن الصلاة فى البيت، وها هو ذا يمنع طغاة الأمس عن التطواف به، وكانت هذه الكتيبة المؤمنة لا يأمن بنوها على أنفسهم حتى ليوشك أن يتخطفهم الناس، ثم أصبحوا - على ما رأيت- أصحاب الكلمة الجريئة الحازمة، إنه العمل دته، ختامه أبدآ النصر الجميل:
(أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون).
* * *
صفحہ 174