ولنا أن نذكر قصة الأعمى والمقعد التى قرأناها صغارا ونسينا تطبيقها كبارا، المقعد رجل قوى البصر، ولكن أنى له الأقدام التى يمشى بها؟ والأعمى رجل قوى الأقدام، ولكن أنى له البصر الذى يهتدى به؟ فإذا حمل هذا ذاك انتفع كلاهما من الآخر وتعاونا على السير فى طريق الحياة!.
ومواهب الناس العقلية والنفسية تشبه كل الشبه هذه القصة الساذجة، فمن الناس من له بصر بالأمور غير أنه يفقد قوة السعى إليها، ومن الناس من له دأب على العمل غير أنه بحاجة إلى حسن التوجيه!
وتختلف المواهب وتختلف أنصبة الناس منها، والتعاون وحده هو سبيل الخير الذى تلتقى فيه الجهود المبذولة، وتنتظر منه الثمرات المأمولة ، ولا سبيل سواه.
وسبب الفشل الذى تمنى به أحزابنا وجماعاتنا هو الذهول عن هذه الحقيقة القريبة! هو تقدير الأعمى لقوة قدميه، وذهوله عن ضعف بصره، واحتقاره لأبصار المبصرين!! وتقدير الكسيح لقوة عينيه، وذهوله عن ضعف قدميه، واحتقاره لأقدام الآخرين!!. الشاعر يظن النهضة خيالا فقط، والخطيب يظنها حماسة فقط. والعالم يظنها بحثا فقط، والاقتصادى يظنهامالا فقط، والواعظ يظنها صلاة فقط.
ومصر بشر من عدم تعاون أبنائها، وتساند ملكاتهم فى خدمتها. فمتى تذوب هذه الأنانية لتحل محلها العقلية التعاونية المرنة؟
ص _157
من طبائع النفوس
هناك رجال يؤثرون الهزيمة المنطقية الصريحة على النصر الملتوى اللئيم! ويوجهون سياستهم فى الحياة على هذه القاعدة اللازمة الدائمة! لا ترى أزمات الدنيا منهم، إلا شخصية لها مبدأ واحد، وعقلية لها تفكير واحد، ولتكن النتائج بعد ذلك ما تكون! وهم قد يستطيعون تحقيق أغراضهم لو غيروا قليلا من اتجاه نفوسهم، واتجاه عقولهم، أو قد يستطيعون لو تغيروا قليلا أن يفوتوا على خصومهم أهم أغراضهم، ومع ذلك يرفضون، فإما نصر يجىء وفق مبادئهم النفسية واستقامتهم العقلية وأسلحتهم المرضية أو.. لا نصر!
فلا قيمة له إن جاء من غير هذه الطريق..
صفحہ 156