عظمة الرسول فى شخصيته * أنوار النبوة: . على حداثة عهدى بدراسة السنة المطهرة، كانت تستوقفنى عبارات طريفة لنقاد الحديث، أولئك الرجال الأذكياء الذين صانوا تراث النبوة عن أن تتزيد فيه الأهواء، فقد كانوا إذا ما رأوا حديثا دخيلا، يكشفون زيفه ثم يقولون عنه: إنه لا تلوح عليه أنوار النبوة!! كنت أبتسم ابتسامة ريبة وأنا أطالع هذه العبارة. حتى مرت على سنوات طوال وأنا مكب على قراءة السنة الكريمة أنتقل بين صحائف شتى من آدابها المشرقة، وتوجيهاتها الحية، وعظاتها النفاذة. وأجيل الطرف فى آفاق لا نهاية لرحابتها، ولا شائبة فى رفعتها، ولا حد لسنائها وسموها. فلما عدت إلى نفسى بعد هذه الرحلة الطويلة. كان عقلى وقلبى يتسابقان إلى الإقرار بأن على معامل السنة الصحيحة أنوارا لم تزل تتألق على مر القرون، ولم تزل تحمل من نفس صاحبها طابع الهدى وعمق الأثر، ولم يزل يرف عليها من صادف الوحى ندى يفيض بالحياة ويهز الأفئدة. ولم تزل كنوز خير وفير، وبر مذخور، لمن شاء ذلك كله. ليس هذا ما ننوه به، فكم فى آثار الزعماء من تعاليم نقية الجوهر رائعة الرونق، ولكنها مع ذلك تعاليم فقط. أما آثار السنة فهى تعاليم وتربية معا. فيها ما يقنع العقل ويشبع العاطفة. تحسى عندما تطالع صحائفها أنك فى حضرة جليس صالح يؤثر فيك وتتأثر ويداخلك تهيب وجلال، إذ تحس إحساس الولد نحو الوالد، والتلميذ نحو الأستاذ، والجندى نحو القائد، والعامى نحو الفيلسوف. وذلك إحساس قاهر تتفتح له أقطار النفس طوعا أو كرها. قد أقف أمام السنة، وفى القلب جمود وعليه غشاء، فما هى إلا سويعات حتى يتصل بى تيار الشخصية التى أودعت بعض عظمتها فى أحاديثها، فإذا القلب يزكو والنفس تطيب، وإذا أنوار النبوة تسلط أشعتها من خلال الغيب فتمحو ظلمات بعضها فوق بعض. ص _071
صفحہ 71