يتفق جيبون مع أغلب كتاب القرن الثامن عشر في اعتبار فترة حكم الأنطونيين كعصر ذهبي، والأنطونيون هم الأباطرة الذين حكموا روما في القرن الثاني الميلادي؛ تريانوس وهادريانوس وأنطونينوس بيوس وماركوس أوريليوس (وكومودوس الذي نستثنيه من هذا الإطراء). يقول جيبون: «إذا سئل إنسان أن يحدد الحقبة من تاريخ العالم الذي بلغت فيها حالة البشرية غاية في السعادة والازدهار، لذكر بلا تردد تلك الفترة التي امتدت من وفاة دوميتيانوس إلى تولي كومودوس.» ذلك أن كلا من هؤلاء الأنطونيين كان يخلف سلفه لا من طريق الوراثة بل من طريق التبني القائم على اختيار الأفضل وتعهده وتدريبه.
غير أن برتراند رسل يرى في ذلك رأيا آخر، ويقول إن من الصعب القبول برأي جيبون على علاته؛ فلقد كانت حقبة الأنطونيين مثقلة، كغيرها من الحقب، بالشرور والآثام؛ فالرق يستنزف عافية العالم القديم، وعروض المبارزة ومصارعة الوحوش تنبئ بتحجر قلب من يستمتع بمثل هذه المشاهد، والنظام الاقتصادي سيئ للغاية؛ الزراعة منحسرة في إيطاليا وأهل روما يعتمدون على محاصيل الأقاليم، والفقر يطحن مزارعي الأقاليم وبروليتاريا المدن، والمركزية الإدارية خانقة مفرطة، والظلم ضارب أطنابه، وعوامل الضعف والهشاشة لا تخفى على النظر الثاقب الذي يتجاوز الظاهر الوردي إلى الباطن المتآكل. «وعندما نقارن بين نبرة ماركوس أوريليوس ونبرة بيكون أو لوك أو كوندرسيه نرى الفرق بين عصر مجهد وعصر مبشر. من الممكن للناس في العصر المبشر احتمال الشرور الراهنة لأنهم يرونها إلى زوال. أما في العصر المجهد فحتى الخيرات الحقيقية تفقد مذاقها. لقد كانت الأخلاق الرواقية ملائمة لزمن إبكتيتوس وماركوس أوريليوس لأن شرعتها كانت شرعة التجلد لا شرعة الأمل.»
3
وما كانت مظاهر البؤس والذبول لتخفى على عيني ماركوس الثاقبتين، وإنها لتاركة في نبرته حزنا وأسى وانقباضا يشيع في ثنايا «التأملات»، ويبرر قول القائل إن ماركوس أويليوس يمثل الرواقية وقد صبغها أفول روما بلون قاتم.
لم تكن الديانة الرومانية الوثنية في ذلك العصر لتغني النفوس الكبيرة كثير غناء ؛ فأكثر أساطيرها طفولية ممتنعة، وأكثر تعاليمها لا يمت إلى الأخلاق بصلة وثيقة؛ فقد كانت الديانة الرومانية، في حقيقة الأمر وصميمه، أقرب إلى «الصفقة» بين الإنسان والآلهة؛ يبذل الناس للآلهة تضحيات معينة ويؤدون طقوسا شكلية؛ لكي تسدد لهم الآلهة ثمن ذلك حظوة وأنعما، سواء أحسنوا أم أساءوا، وبغض النظر عن نواياهم واستحقاقهم. فلم يكن أمام النفوس الورعة سوى الفلسفة تلوذ بها وتلتمس لديها السكينة الروحية والرضا العقلي، وكانت الفلسفتان السائدتان في ذلك الوقت هما الأبيقورية والرواقية. (2) الأبيقورية
ولد أبيقور
Epicurus
عام 241ق.م لأبوين أثينيين، وفي سن الثامنة عشرة انتقل من ساموس إلى أثينا، ثم رحل إلى آسيا الصغرى حيث جذبته فلسفة ديمقريطس. وفي عام 307ق.م وصل إلى أثينا مع جماعة من أتباعه وأسس «الحديقة»
the Garden
إلى الجنوب من أكاديمية أفلاطون. عاش أبيقور واتباعه في «الحديقة» حياة جمعية بعيدة عن صخب الحياة المدنية ونزاعاتها. وقد وصل إلينا المذهب الأبيقوري في أوضح صورة في قصيدة الشاعر الروماني لوكريتيوس
نامعلوم صفحہ