البعض تبعثره الريح على الأرض ...
هكذا هي أجيال البشر.
20
أطفالك أيضا مجرد «أوراق». «أوراق» أيضا تلك الأصوات التي تهتف بمدح الملك، وتلك اللعنات من مناوئيك، وهذا الملام الصامت أو السخرية المكتومة ... مجرد «أوراق» مماثلة أيضا أولئك الذين سيتلقون وينقلون مجدك المستقبلي للأزمنة التالية؛ فكل هذه الأشياء «تنتج في فصل الربيع»، كما يقول الشاعر،
21
ولكن لا تلبث الريح أن تذروها، ثم تنتج الغابة أوراقا أخرى مكانها. كل الأشياء قصيرة العمر، فما لك تلتمس وتتجنب كل شيء كما لو كانت الأشياء باقية إلى الأبد. بعد برهة ستغمض أنت أيضا عينيك، وسرعان ما سيأتي آخرون ينعون الرجل الذي يدفنك. (10-35) العين السليمة ينبغي أن ترى كل ما هو قابل للرؤية ولا تقول: «أريد الأشياء الخضراء فقط.» فهذا حال عين مريضة، والسمع السليم والشم السليم يجب أن يكون مؤهلا لإدراك كل ما يمكن أن يسمع أو يشم. والمعدة السليمة ينبغي أن تتقبل كل الطعام بنفس الطريقة التي تتقبل بها الطاحونة كل ما صنعت لطحنه. وكذلك العقل السليم ينبغي أن يكون مستعدا لكل الاحتمالات. العقل الذي يقول: «أطفال يجب أن يعيشوا.» أو «ينبغي أن يمتدح الناس كل ما أفعل.» هو عين تريد الألوان الخضراء أو أسنان تطلب الطري من الطعام. (10-36) ليس ثمة من بلغ من السعد بحيث لا يقف حول فراش موته من هو سعيد بما سيحيق به. هبه كان صالحا وحكيما، ألن يكون هناك واحد لحظة وفاته يقول لنفسه: «أخيرا يمكننا أن نتنفس الصعداء، ألا بعدا لهذا «الناظر»، صحيح أنه لم يكن فظا تجاه أي منا، ولكني كان بوسعي أن أحس بنقده الصامت لنا جميعا.» هذا ما يقال عن رجل صالح. أما في حالتنا نحن فكم من أشياء أخرى تجعل الكثيرين يرغبون في التخلص منا. تذكر ذلك إذن عندما يحين موتك ولسوف تكون في رحيلك أكثر ارتياحا إذا قلت لنفسك: «إنني راحل عن مثل هذه الحياة التي يتمنى فيها حتى رفاقي الذين جاهدت كثيرا من أجلهم وصليت لهم ورعيتهم؛ يتمنون أن أرحل عنها عسى أن يجدوا في موتي بعض الفرج والفائدة؛ ففيم التشبث بهذه الأرض والرغبة بهذه الحياة؟»
على ألا يدفعك هذا الشعور بأية جفوة تجاههم وأنت راحل من هذه الحياة، بل كن وفيا لمبدئك وخلقك؛ ودودا، رفيقا، محسنا، ومن جهة أخرى لا يكن تركك إياهم كأنه انخلاع من الحياة، بل انسلال يسير للروح من غلاف الجسد كما يخبره من يموتون في هدوء؛ فقد ربطتك الطبيعة بهم وجعلتهم رفاقك ويحلو لها الآن أن تحل هذا الرباط. فليكن انصرافك كانصراف المرء عن أهل وعشير، ولكن من غير مقاومة أو إرغام؛ فهذه أيضا واحدة من طرق اتباع الطبيعة. (10-36) تعود، جهد ما تستطيع، أن تسأل نفسك كلما فعل أي شخص فعلا: «ماذا يرمي هذا الشخص بهذا الفعل؟ ما هي نقطته المرجعية هنا؟» ولكن ابدأ بنفسك ووجه السؤال إلى نفسك قبل أي شخص آخر. (10-37) تذكر أن ما يحركنا ويشد خيوطنا هو ذلك الجزء الخفي في داخلنا؛ إنه القوة على الفعل، إنه مبدأ الحياة، إنه، إذا جاز القول، الإنسان نفسه؛ لذا تلتفت وأنت تتأمله إلى الوعاء الذي يحتويه والأعضاء المشيدة حوله؛ فهذه أداة، كالفأس، لا تختلف إلا في أنها متصلة بالجسد. ولا جدوى في هذه الأعضاء من دون القوة الفاعلة التي تحركها وتوقفها أكثر من جدوى المكوك من دون النساج، أو القلم من دون الكاتب، أو السوط من دون الحوذي.
22
الكتاب الحادي عشر
(11-1) هذه خصائص الروح العاقلة: إنها ترى ذاتها، وتشكل ذاتها، وتجعل نفسها أي شيء تريد، وتجمع لنفسها الثمار التي تحملها (بينما لغيرها تحمل النباتات ثمارها، والحيوانات نتاجها ). وهي تحقق غايتها حيثما وضع حد الحياة. فإذا كان من شأن الانقطاع في باليه أو مسرحية أن يجهض العمل كله، فإن الروح العاقلة، في أي مشهد حيثما قوطعت، تكون قد أكملت عملها بتمامه؛ بحيث يحق لها أن تقول «هذا ما عندي.»
نامعلوم صفحہ