وأن نصنع الخير للبشر، وأن نتحمل ونتزهد،
21
وأن نتذكر أن كل ما يقع في حدود جسمنا المسكين وأنفاسنا القليلة ليس ملكا لنا ولا في طائلة قدرتنا. (5-34) بوسعك أن تقضي حياتك في فيض متدفق من السعادة إذا أمكنك أن تمضي في الطريق القويم، وأن تتبع طريق العقل في أحكامك وأفعالك، ثمة شيئان تشترك فيها جميع الأنفس العاقلة؛ بشرا وآلهة؛ أنها محصنة من العوائق الخارجية، وأن الخير الذي تطلبه يقبع في النزوع إلى العدالة وممارستها، وأنها لا ترغب فيما عدا ذلك. (5-35) ما دام هذا ليس إثما من جانبي ولا هو نتاج لإثمي، وما دامت الجماعة بخير، فلماذا أعني نفسي به؟ وأي ضير منه على الجماعة؟ (5-36) لا تدع انطباع الحزن لدى الآخرين يأخذك بعيدا دون تمييز، أعنهم نعم، كأفضل ما يكون العون وبقدر ما يقتضي الموقف، حتى لو كان حزنهم هو لفقدان شيء «غير فارق»
indifferent ، ولكن لا تتوهم أن ما فقدوه يمثل ضررا حقيقيا؛ تلك عادة سيئة في التفكير، بل عليك أن تقتدي بذلك الرجل العجوز في المسرحية إذ طلب استرداد لعبة متبناه في النهاية، دون أن ينسى قط أنها مجرد لعبة.
22
فلتفعل أنت أيضا في حالتك هذه مثل فعله. عندما كنت تصرخ على المنبر أكنت قد نسيت كم تساوي هذه الأشياء؟ - «حسن، ولكنها مهمة عند القطيع.» - وهل هذا يبرر أن تشارك القطيع حماقته؟ (5-37) «كنت ذات يوم رجلا محظوظا، لا يتخلى عني الحظ في كل صغيرة وكبيرة، واليوم تخلى عني لا أعلم كيف .» - ولكن كلمة محظوظ تعني ذلك الرجل الذي حدد لنفسه حظا سعيدا، والحظ السعيد هو نزوع النفس إلى الخير، هو الوجدانات الخيرة والأفعال الخيرة.
الكتاب السادس
(6-1) مادة «الكل» مذعنة مطواع. والعقل الذي يوجه هذه المادة ليس لديه ما يدعوه إلى فعل الشر؛ فليس به شر ولا يلحق شرا بأي شيء ولا يضار به أي شيء. غير أن كل الأشياء تبدأ وتنتهي وفقا لهذا العقل. (6-2) ما دمت تؤدي واجبك فلا تعبأ بما إذا كنت باردا أو دافئا، نعسان أو يقظا، يمدحك الناس أو يذمونك، وبما إذا كنت تحتضر أو تفعل شيئا آخر! فحتى هذا ... فعل الاحتضار ... هو أحد أفعال الحياة ... وبحسبك هنا أيضا أن تتقن ما تفعله جهد ما تستطيع. (6-3) انظر إلى الداخل؛ لا تدع نوعية أي شيء ولا قيمته تفلتان منك. (6-4) يوشك كل ما هو موجود أن يتغير؛ فإما أن يتحول بخارا، إذا كانت المادة حقا واحدة، وإما يتبدد ذرات. (6-5) العقل المدبر يعرف ما يريد، وما يعمل، وعلى أي مادة يعمل. (6-6) أن تأبى أن تكون مثل من أساء إليك ... ذلك هو خير انتقام. (6-7) لتكن بهجتك وراحتك في شيء واحد؛ أن تمضي من عمل اجتماعي إلى عمل اجتماعي آخر، والله في خاطرك وضميرك. (6-8) العقل الموجه هو ذلك الذي يوقظ نفسه ويكيف نفسه، ويضفي على نفسه الطبيعة التي يريدها، ويجعل كل ما يحدث له يبدو على النحو الذي يريده. (6-9) كل شيء يتم وفقا لطبيعة «الكل»؛ فمن المؤكد أنه لا يتم وفقا لأي طبيعة أخرى سواء كانت طبيعة تفهم هذه من الخارج، أو كانت طبيعة تفهم داخل هذه الطبيعة، أو طبيعة خارجة عن هذه ومستقلة عنها. (6-10) الكون لا يخرج عن حالين اثنين؛ فإما أنه فوضى واضطراب وتشتت (إلى ذرات)، وإما أنه وحدة ونظام وعناية. فإذا صح الافتراض الأول فلماذا أرغب في المكوث في عالم مركب عشوائيا ويعاني من مثل هذا الاختلاط؟ ولماذا أعني نفسي بشيء آخر غير تحول التراب إلى تراب؟ وفيم يخالج نفسي اضطراب؟ فالتناثر سوف يصيبني إذن مهما فعلت. وإذا صح الافتراض الثاني أقدم إجلالي، واقفا ثابتا لا أتزعزع، متوكلا على من بيده تصريف كل الأمور. (6-11) إذا قذفت بك الظروف في نوع من الكرب فعد إلى نفسك سريعا، ولا تبق خارج الإيقاع أطول مما ينبغي؛ فسوف يزداد تمكنك من التناغم بدوام العودة إليه. (6-12) إذا كان لك زوجة أب وأم في الوقت نفسه، فسوف ترعى زوجة أبيك ولكن التجاءك الدائم سيكون إلى أمك، فليكن البلاط والفلسفة بالنسبة لك كزوجة الأب والأم، لتكن الفلسفة لك ملاذا دائما ومستراحا وموئلا، حتى تجعل القصر يبدو محتملا لك، وحتى تبدو أنت محتملا في القصر. (6-13) ما أطيب، عندما يكون أمامك لحم مشوي أو ما شابه من الأطايب، أن تستحضر في ذهنك أن هذا جثة سمكة، وهذا جثة طائر أو خنزير، ثم أن هذا النبيذ الفاليرني
1
مجرد عصير عنب، وأن رداءك الأرجواني ليس أكثر من فراء خروف منقوع في دم المحار! وفي الجماع أنه ليس أكثر من احتكاك غشاء ودفقة مخاط. ما أنجح هذه الإدراكات في الوصول إلى قلب الشيء الحقيقي والنفاذ فيه ورؤيته كما هو. كذلك فليكن دأبك طوال حياتك؛ حيثما تبدت الأشياء خلابة المظهر فجردها وتفرس في طبيعتها الزائفة واخلع عنها كل دعاوى الزهو والخيلاء.
نامعلوم صفحہ