تأمل یوماً بعد یوم: ٢٥ درساً للعیش بوعی کامل
تأمل يوما بعد يوم: ٢٥ درسا للعيش بوعي كامل
اصناف
الحقيقة أرض بلا طرق.
تيتسيانو تيرتساني، «رحلة الحياة الكبيرة»
علينا أن نتمسك بإنسانيتنا رغم المعاناة
إننا، كالمسيح المرسوم في اللوحة الفريسك، قد نغرق ونختنق، وترهقنا كل أنواع العنف التي قد تسقط على رءوسنا. إن تجربة اليأس تجربة تعمي الأبصار؛ لأنها تضيق رؤيتنا وأفقنا، فلا نرى سوى طوفان المحن الذي يحل بنا. إنها تنزع عنا إنسانيتنا؛ فنصير حيوانات يملؤها الألم، ونصبح مجنوني معاناة. وعندها لن نتمكن من التواصل مع العالم لأن آلامنا الشديدة ستعزلنا وتكبلنا وتجمدنا. إنها ستخلق حالة غرق داخلي، بالإضافة للمصائب الخارجية. وتصير حياتنا محطمة من الداخل كما هي من الخارج.
إذن علينا أن نحاول أن نبقى، بكل ما أوتينا من قوة، أناسا حساسين. علينا أن نتمسك بإنسانيتنا وبكل ما يمكنه أن يوقظها من حولنا؛ كالطبيعة والجمال. علينا أن نستمر بفتح وعينا على أشياء أخرى غير معاناتنا؛ ليس لكي نخفي المحن وننساها، وإنما كي لا تحكم وحدها في حياتنا ووعينا كملكة مطلقة. يجب أن يكون الحال كما في هذا المقطع من كتاب لأحد الناجين من معتقل داخو وهو الطبيب النفسي النمساوي فيكتور فرانكل: «حدث ذلك في مساء أحد الأيام، حين كنا جالسين على الأرض الترابية للزنزانة، منهكين من التعب بعد نهار طويل من العمل، وبأيدينا قصعات الحساء. في لحظة ما أتى زميل لنا، راكضا متوسلا أن نأتي حالا رغم التعب ورغم البرد، وأن نخرج كي نراقب غروب الشمس البهي.» هذا ليس نوعا من الهروب، أو إحدى وسائل الدفاع للنجاة من الرعب، وإنما هو سلوك نابع من الوعي والذكاء الأسمى؛ ففي اللحظات التي تحيط بهم فيها أمواج الموت، استطاع هؤلاء الناس توجيه أرواحهم نحو ما هو جميل أيضا في هذا العالم. إنهم تائهون، عاجزون، ومغلوبون على أمرهم، لكنهم لم يتخلوا عن إنسانيتهم. «ثلاث قدرات سلبية»
في الرسالة المشهورة التي وجهها الشاعر البريطاني جون كيتس إلى إخوته في 22 ديسمبر عام 1817، دعا إلى تطوير ما سماه ب «قدراتهم السلبية». إنه يجد فيها نوعا من النضج والكمال النفسي: «كثير من الأشياء تتابع في ذهني، وفي هذه اللحظة، فاجأتني صفة تساهم في صناعة الرجل المكتمل النضج، وبشكل خاص في مجال الأدب. يبدو أن شكسبير كان يمتلكها بشكل كبير. أريد أن أكلمكم عن القدرة السلبية؛ هي عندما يكون الرجل في حالة من عدم اليقين، والغموض، والشك لكنه لن يركض ساخطا للبحث عن توضيح أو منطق.»
عدم اليقين، والغموض، والشك ... كيف يمكننا أن نطور قدرتنا على تحمل فقد السيطرة على دواخلنا، أو فقد الوضوح، دون أن نحاول فورا التعلق بما هو منطقي ومحدد؟
كيف نتحمل عدم اليقين؟ إن عدم اليقين مصدر للقلق؛ حتى إنه يمكننا أن نقول إن كل حالة قلق قد يكون سببها حالة من عدم اليقين. لهذا السبب يربكنا كل من الموت والمستقبل، فهما دائما مجهولان. لهذا فإننا نحاول دائما في حياتنا أن نضع حدا لكل ما هو غير مؤكد؛ بأن نحصل على ضمانات واحتياطات، وأن نقوم بالتحقق من كل شيء، رغم كل ما يمكن أن يسببه ذلك من إرهاق لذواتنا من كثرة أشكال الحماية والحواجز التي نضعها في حياتنا. إننا نحرص على ملء روحنا بكل ما هو مؤكد، دون أن يطمئننا ذلك؛ لأننا نعرف في أعماقنا أن كل ذلك دون جدوى. كل هذه الجهود، كل تلك التعويذات والابتهالات ليست سوى سلوك دون هدف؛ لأن الحقيقة هي ما يأتي؛ توجد في حياتنا مشكلات لا حل لها، وعلينا أن نقبل بها لكن دون أن نتوقف عندها، بل يجب أن نستمر بالعيش والسير قدما، حاملين هذه المشكلات في حقائبنا.
كيف نتحمل الشك؟ علينا أن نقبل المرات التي لا نعرف فيها كيف نفكر أو ماذا نفعل، وأن نعدل عن هذه الحاجة إلى التعلق بأحكام أو أفعال ثابتة، أو تبني أفكار غير فعالة لكنها مريحة؟ علينا أن نتوقف عن أخذ الخيارات، أو اعتبار أن خياراتنا هي دائما الخيارات الصحيحة؟ أحيانا لا يكون أمامنا حل سوى أن نقول لأنفسنا: «لا أعرف، لا أستطيع أن أعرف، لا أستطيع إلا أن أشك.» لكن يجب ألا يمنعنا هذا الشك عن الاختيار، أو الفعل إذا تطلب الأمر ذلك، وعلينا ألا نعيش فيما بعد في حالة من الشك، من جديد، وألا نبقى في حالة «ماذا أفعل؟» وإنما في حالة «هل فعلت ما هو صحيح؟»
كيف نتحمل الغموض؟ كيف نستطيع أن نتحمل ما هو غير مفهوم، أو ما يتجاوز فهمنا؟ قد يبدو ذلك سهلا؛ لأننا نشعر دائما أن الغموض يبقى خارج نطاق إدراكنا، إذن نقبله بشكل أفضل. لكن الغموض ليس الفوضى؛ لأنه قد يكون وراءه منطق ما، حل ما، معنى ما. لهذا نظل بحالة سؤال إلى الأبد. لكن في حالات الغموض الملفعة بالحزن، بالمعاناة، بالظلم، لن يكون هناك غير سؤال واحد: لماذا؟ دون جواب. وربما ذلك أفضل لأنه عندما تأتي الأجوبة تكون غالبا أجوبة خطيرة؛ كونها محملة بيقين كاذب تصلب في مغطس من الآلام: «إنني ملعون، لا شفاء لوضعي، لا يوجد حل.» ربما من الأفضل ألا نحصل على أجوبة كهذه. وربما من الأفضل أن نتعلم، في بعض حالات الشدة، ألا نطرح أسئلة عندما نكون في خضم المعاناة. ربما من الأفضل حينها أن نتنفس، وأن نفتح روحنا.
نامعلوم صفحہ