تأمل یوماً بعد یوم: ٢٥ درساً للعیش بوعی کامل
تأمل يوما بعد يوم: ٢٥ درسا للعيش بوعي كامل
اصناف
لنحرر أفعالنا، ونكثفها في نفس الوقت؛ لكي تكون «لا شيء إلا» ما هي عليه. علينا أن نأكل فقط (دون أن نقرأ، أو أن نستمع إلى الراديو في نفس الوقت)، وأن نسير فقط (دون أن نتحدث بالهاتف، أو أن نقوم بالتفكير واستباق ما سنقوم به لاحقا)، وأن نستمع إلى الآخرين فقط (دون أن نحضر أجوبتنا، أو أن نطلق أحكاما على ما يقال لنا). ورغم البساطة الظاهرية لهذا، فإنه صعب المنال بشكل لا يوصف. فقد اعتدنا على القيام بعدة أشياء في نفس الوقت. إننا في الحياة اليومية اعتدنا أن نأكل ونحن نقرأ، أن نسير ونحن نهاتف الآخرين. وفي ذهننا يحدث الأمر ذاته؛ فنقوم بشيء ونحن نفكر بشيء آخر (نأخذ حمامنا في الصباح ونحن نفكر بيوم عملنا الذي ينتظر). ومن ثم، نقوم بعمل كل شيء في حالة من الغياب الكامل، بدلا من الوعي الكامل.
يوصي الوعي الكامل بالتبني السليم والبسيط لأفعالنا، ليس بشكل دائم ولكن بشكل منتظم. إنه يدعونا مثلا إلى تناول وجبة في الأسبوع في حالة وعي كامل (بصمت، دون أن نقرأ، وبلا راديو أو أحاديث)، أو الممارسة المتكررة للمشي في وعي كامل؛ بهدوء، ببطء، ونحن نشعر بجسدنا وهو يسير، ونتلقى كل ما يحيط بنا، في بحر من الأحاسيس التي تعتمر في دواخلنا. علينا أن نسير من أجل السير، دون غضب، دون استعجال. علينا أن نقوم بغسل أواني الطبخ ورمي الأوساخ في حاوية القمامة، ونحن في حالة وعي كامل ... إلخ.
فوائد أن نكون حاضرين أثناء الفعل
لماذا نقوم بكل هذه الجهود؟ لماذا لا نقبل في النهاية أن نعيش حياتين في نفس الوقت، بأن ننجز شيئين في كل لحظة؟ لأننا في الحقيقة، حين نسعى للعيش مرتين، نخاطر بأن نعيش مرتين أقل لأنهما ستخلقان ضغطا مضاعفا، وحزنا مضاعفا، وغضبا مضاعفا، وفراغا مضاعفا.
من المهم النجاة من «جنون إنهاء العمل». وحين نقوم بنشاط ما يجب ألا يكون تركيزنا على «الفعل» فقط، ولكن أن نكون بحالة «حضور» أثناء العمل. إن الحضور أثناء الفعل يزيد إحساسنا بكوننا بشرا، بأننا موجودون في هذا العالم، ويبعد عنا هذه الأفعال التلقائية التي ننسى سريعا أننا قمنا بإنجازها. إنه يساعدنا أيضا على الاقتراب أكثر من جوهر ما نقوم به. أن نكون حاضرين مثلا أثناء تناول وجبتنا يساعدنا على تذوقها بشكل أفضل. والحضور أثناء الاستماع يساعدنا على الإصغاء فعلا إلى ما يقوله هذا الشخص الذي يحدثنا، فلا نقوم بنفس الوقت بالحكم على ما يقوله أو التظاهر بالاستماع ونحن في الحقيقة في صدد تحضير ردودنا.
يساعدنا الحضور أثناء الفعل، في النهاية، على إدراك إلى أي مدى تكون بعض أفعالنا بلا جدوى؛ فمثلا يساعدنا الحضور ونحن على المائدة على إدراك اللحظة التي لا نعود فيها بحاجة إلى الطعام والشراب. إنه يساعدنا أيضا على إدراك اللحظة التي يصير فيها الحديث بلا جدوى؛ أي، في أي لحظة يفضل أن نصمت وفي أي لحظة يمكن أن نتكلم.
عدم إطاعة الإلحاحات
لقد تكلمنا في الفصل السابق عن الإلحاحات التي تدعونا لإيقاف جلسة التأمل كي نقوم بما هو «عاجل». قد يحدث الشيء نفسه أثناء قيامنا بنشاط ما (خاصة عندما يكون هذا النشاط مجهدا، أو مملا، أو مصدرا للضغط). قد تأتينا مثلا بشكل مفاجئ الرغبة بأن نتفقد بريدنا الإلكتروني أو هاتفنا، لعلنا تلقينا رسالة، أو الرغبة بالاتصال بأحد ما، أو أخذ فنجان قهوة، أو ربما الرغبة بالحديث مع أحد الزملاء في العمل، أو تناول قطعة حلوى ... إلخ.
يساعدنا التأمل بالوعي الكامل على الانتباه لظهور هذه الأشياء قبل أن نقوم بإطاعتها، ويطلب منا ألا «نتماهى » معها، وأن نفهمها: «أوه، يبدو أن لدي رغبة بإيقاف ما أقوم به الآن؛ لأنه عمل مجهد.» وأن نقرر بشكل حيادي إذا كنا سنستجيب لها أو لا: «هل من الضروري أن أستجيب لهذه الرغبة الملحة؟» في معظم الأوقات لا يكون الأمر جديرا بالاهتمام أو ضروريا. إلحاح ما فقط، لحظي كالعادة (افعل، افعل، افعل ...) أو أنه رغبة في الهروب مما نقوم به عندما يكون العمل صعبا، أو حين تثيرنا أو تلفت انتباهنا فكرة ما، أو عندما يصيبنا الملل، وحتى في الحالات العادية، حين نكون تحت تأثير منبهات خارجية قوية. وهكذا فإننا سنستجيب بسهولة لهذا الإلحاح أو ذاك عندما يأتي فجأة، ونقوم بالفعل كي نرتاح.
من الأفضل أن ندرك الإلحاحات البسيطة في البداية، وسيساعدنا ذلك فيما بعد على إدراك تلك الأكثر تعقيدا؛ مثلا، الرد بعنف عندما ينقدنا الآخرون، الاجترار الذهني عندما نكون حزانى، القلق في أوقات التردد. إن مرونة الوعي الكامل تساعدنا بكل بساطة على تطوير سلوكنا بشكل أفضل أمام تعقيدات الحياة.
نامعلوم صفحہ