تأمل یوماً بعد یوم: ٢٥ درساً للعیش بوعی کامل
تأمل يوما بعد يوم: ٢٥ درسا للعيش بوعي كامل
اصناف
التمهل، والهدوء، والاستمرارية في حالة من العوز
إن الأمراض الناتجة عن العوز هي أمراض كامنة. إذا كان لدينا عوز في فيتامين ج أو د أو أوميجا 3، أو السيلينيوم، فإن المرض لن يتطور فورا. لن نعاني في البداية، ولن نلزم الفراش لأنه لا يوجد تأثير مباشر لهذا النقص. ولكن وبشكل بطيء تبدأ بعض الأعراض بالظهور. إنها أعراض العوز. بهذه الطريقة تظهر كل أمراض العوز؛ بهدوء، ببطء، بشكل كامن ... ولا تظهر أبدا بشكل مفاجئ!
إن الوعي الكامل يساعدنا على الانتباه إلى هذا النوع من التلوث الذي يؤثر على روحنا، ويحمينا منه أيضا. إنه يسمح لنا بترميم قدرتنا على الاستنباط، وعلى إعادة التواصل مع ذواتنا.
هذه هي حالة مجتمعنا الحالي المليء بكل ما يفيض لكنه يخلق في دواخلنا العديد من حالات العوز، والعلاقة بينهما وثيقة. فإذا أخذنا مثلا أمراض الإفراط، سنجد أنها أمراض العصر. ونعني بها كل ما يزيد عن حاجتنا؛ الأكل الزائد الذي يسبب السمنة، الرغبة بالتملك الزائد الذي يقود إلى الحزن. إن الزيادة في شيء ما تؤدي حتما إلى النقص في شيء آخر، والإكثار سيؤدي إلى العوز. إننا نعرف مثلا أن هذا الطعام الجاهز، هذه الوجبات المحضرة بعناية والمعقمة جدا، مضرة بالصحة؛ بسبب «الإفراط»؛ الزيادة في العرض وسهولة الوصول، الزيادة في السكر، والزيادة في إثارة الشهية؛ ومن ثم الزيادة في احتمال الإصابة بأمراض السمنة والسكري، وأيضا بسبب «العوز»؛ إذ نجد أن بها نقصا في العديد من الفيتامينات، والعناصر النادرة. وهكذا تكون هذه الوجبات مؤذية للصحة بشكل مضاعف. وبنفس الطريقة يصيب العوز صحتنا النفسية لأننا بحاجة إلى الهدوء، إلى التمهل والاستمرارية. من أجلها يجب أن نعمل ونقاوم كي لا نصاب بالأمراض النفسية (الضغوط النفسية، والاضطرابات العاطفية، وتشتت الذهن).
لكن كيف نقاوم عوز التمهل هذا؟ علينا أن نخصص الوقت الكافي لأنفسنا، فلا نركض من نشاط إلى آخر، ولا نقوم بعدة أشياء في نفس الوقت، ونتصرف قدر الإمكان بكثير من اللطف والهدوء. وعلينا أن نقوم بجلسات هدفها «عدم القيام بأي شيء» أو البساطة، أو الهدوء، أو جلسات وحيدة النشاط. ويجب الانتباه إلى طريقتنا الخاصة بملء جدول أعمالنا ومراجعتها، وإلى طريقتنا المجنونة أحيانا الخاصة بملء جدول أعمالنا حتى التخمة في عطلة نهاية الأسبوع أو في العطلات الأخرى ... إلخ. وكيف نقاوم عوز الهدوء؟ نقاومه بالهرب من العنف، من التنبيهات الملحة. علينا أن نصير من جديد حساسين لكل ما هو زائد عن حده؛ موسيقى طوال الوقت، صور طوال الوقت، شاشات طوال الوقت. علينا التخلص من هذه القيود. إنها عملية تحرر! أن نغمض عيوننا عن هذه الشاشات التي تسرق انتباهنا، وتخطف وقتا نستطيع أن نكرسه لذهننا ولراحتنا. وكيف نقاوم نقص الاستمرارية؟ علينا أن نستطيع تحديد كل المنبهات الملحة التي تتدخل في استمرارية يومنا، وأن نرفع مستوى انتباهنا إلى درجة أعلى من مستوى تأثيرها. يجب أن نقاوم النظر المستمر إلى بريدنا الإلكتروني، وإلى رسائلنا على الهاتف، أو الاتصال الدائم بالآخرين والمتابعة الملحة للإنترنت.
إن الوعي الكامل يساعدنا على الانتباه إلى هذا النوع من التلوث الذي يؤثر على روحنا، ويحمينا منه أيضا. إنه يسمح لنا بترميم قدرتنا على الاستنباط، وعلى إعادة التواصل مع ذواتنا، بدلا من البقاء تحت تأثير الالتزامات، والمشتتات والأنشطة الخارجية.
إن ممارسة الوعي الكامل تقترح علينا ألا نقوم بأي فعل. يكفي البقاء هنا والآن، في قمرة المراقبة، في قمرة الاستبطان الداخلي. إنها تساعدنا على التنحي جانبا؛ فلا نبحث عن شيء، ولا نسعى لهدف معين، ونعطي لأنفسنا الوقت، ونقرر - بحرية - أن نتقدم بهدوء. نأخذ الوقت للجلوس، للمراقبة وللتجربة.
إن هذا جيد حتى لو كان ذلك لوقت قصير، للحظات قليلة؛ لأننا نستطيع أن نكون في حالة وعي كامل في أي لحظة نغمض فيها عيوننا ونقرر أن نتوقف عن الفعل. سنعيش حينها لحظة من الحرية.
الممارسة التأملية: الخيار المثالي للتفريق بين ما هو مهم وما هو عاجل
كما خلقت حياة المدينة الحديثة لدينا حاجتنا الجسدية للقيام بالتمارين الرياضية، خلقت المنبهات الزائدة حولنا الحاجة الروحية للتأمل. وكما رأينا، يستطيع الوعي الكامل مساعدتنا على الاقتراب أكثر من الحاجات الأساسية؛ التمهل، الهدوء، الاستمرارية. إنه لأمر مهم أن نستطيع تحقيق هذه الحاجات. المسألة ليست مسألة عاجلة، ولكنها مهمة.
نامعلوم صفحہ