تأمل یوماً بعد یوم: ٢٥ درساً للعیش بوعی کامل
تأمل يوما بعد يوم: ٢٥ درسا للعيش بوعي كامل
اصناف
عقلنا أداة مذهلة لإنتاج الأفكار؛ مذهلة لكن من الصعب إيقافها. حالما نستيقظ تبدأ أفكارنا بالظهور. يتكلم سينيك في عمله «راحة الروح» عن «عواصف الذهن التي لا تستطيع السكون على أي شيء محدد ...» منذ الصباح، أن نستيقظ يعني أن نبدأ بالتفكير، أو بالأحرى أن نتعرض لدفق من الأفكار التي تحدثنا عن كل شيء؛ الماضي، والمستقبل، وبشكل أقل الحاضر.
وفي الحقيقة إن ما نسميه تفكيرا ليس عملية «إنتاج» الأفكار (فهذه العملية موجودة أصلا خارج إرادتنا أو تدخلنا)، وإنما هو أن نقوم بتنظيم هذه الأفكار، وترتيبها حسب أهميتها، ومحاولة التركيز على بعضها، والعمل على تطويرها، وفي نفس الوقت إبعاد بعضها. لهذا السبب فإنه من العبث الاعتقاد أن ممارسة التأمل ستقودنا سريعا وبإرادتنا إلى حالة من صمت ثرثرة ذهننا، أو غياب الأفكار. قد يحدث ذلك في بعض الأحيان، لكن للحظات، ثم تعود ثرثرة الروح.
يقول بول فاليري: «يصبح الوعي الملك، لكنه لا يحكم.» أحب هذه المقولة؛ لأنها تقول ما هو أساسي على ما أعتقد؛ إنه الفرق بين المقدرة والمقدرة المطلقة. يقارن ماتيو ريكار في التقاليد البوذية بين تدفق الأفكار وقطيع من القردة في حالة اضطراب. إنها تصيح دون توقف. وتقفز من غصن لآخر في حركة دائمة. أي شغب هذا الذي يقود المرء إلى الخلط والارتباك! فما العمل؟! إذ لا يمكن إيقاف هذه الحركية أو التحكم بها. قد يقودنا كل ذلك إلى السعي إلى التركيز على فكرة واحدة طوال الوقت، هذا ما نسميه بالوسواس. طبعا لن تكون الحال أفضل. وهناك خطر آخر وهو محاولة إلهاء أنفسنا؛ لأننا سنحاول ملء ذهننا بأشياء أخرى خارجية، سهلة، ومحددة، وفعالة بما فيه الكفاية لتلفت انتباهنا؛ فنوقف هذه الثرثرة بثرثرة أخرى. هذا ممكن، لكننا نستطيع أن نطور سبلا أخرى.
سنحاول في حالة الوعي الكامل أن نمتنع عن محاولة الهرب من أفكارنا أو السعي لإيقافها. وسنختار مراقبتها، وكأننا نقوم بخطوة جانبا؛ أن نفكر ونراقب أنفسنا ونحن نفكر. إن فلسفة الزن تقترح الصورة المجازية للشلال؛ إننا نقف بين الشلال (تدفق أفكارنا)، والحاجز الصخري للجرف. إننا نقف جانبا، نراقب أنفسنا ونحن نفكر. لسنا تحت تدفقها (انفصال)، لكننا لسنا بعيدين أيضا (حضور). إننا نستطيع بهذه الطريقة أن نستخدم قدرة وعينا المرن، الذي يستطيع أن يراقب ذاته. لكن هل من الممكن فعلا أن نراقب أفكارنا؟ لفترة طويلة من الزمن قلل من شأن علم النفس الذاتي أو الداخلي، أو ما يمكن أن نسميه علم نفس الظواهر. كانوا يقولون: «كيف يمكنك أن تعتبر نفسك طرفا وحكما في نفس الوقت؟» وكان يقول أوجست كونت: «لا نستطيع أن ننظر من النافذة لنشاهد أنفسنا ونحن نعبر الشارع.» عندما يتعلق الأمر بالوعي والإدراك، يكون هذا ممكنا. لكن يتطلب ذلك كثيرا من المران.
مشاهدة أفكارنا وهي تعبر
سنتخلى، كعادتنا في الوعي الكامل، عن كل فعل صدامي أو عنيف. فمن غير المجدي محاولة إلغاء أفكارنا؛ لأن ذلك سيؤدي في معظم الوقت إلى رد فعل عكسي. وفي نفس الوقت من الصعب القول: «إذن سأقوم بمراقبة أفكاري.» سيتملكنا حينها الانطباع بعدم وجود أفكار. ذلك لأننا صرنا «داخلها»، في صميمها، لدرجة أننا «تماهينا» معها وبدت لنا وكأنها الواقع.
يقول لنا الوعي الكامل الحقيقة البسيطة الآتية: لا جدوى من محاولة إلغاء أفكارنا، ولا جدوى من المحاولة الحثيثة للحاق بها، بل الأفضل هو إعطاء مساحة أوسع لروحنا.
للقيام بذلك يجب أن نبدأ تمرين التأمل بشيء آخر؛ أن نجلس بهدوء وراحة وأن نثبت بهذه الوضعية ثم نقوم بالتركيز على اللحظة الحاضرة بمساعدة التنفس، والإنصات إلى الأصوات حولنا، وإدراك أحاسيسنا الجسدية. سنكون عندها في حالة تتيح لنا مراقبة حركية أفكارنا. وهكذا، في الوقت الذي يكون فيه موضوع اهتمامنا أمرا آخر، كالتركيز على تنفسنا، سنلاحظ في لحظة من اللحظات أننا ابتعدنا. كان التنفس موضوع تمريننا، وفجأة بدأنا «نفكر بشيء آخر». لقد تتبعنا، دون أن ننتبه، فكرة عبرت ذهننا. ولم نلاحظ ذلك إلا بعد حدوثه.
مع الممارسة المتواصلة، سنستطيع تحديد الأفكار التي ستبدأ بإعطائنا أوامر حين نحاول تجنبها. وهكذا بينما نقوم، أثناء تمرين الوعي الكامل، بالتركيز على حضورنا، على تنفسنا، أو على الأصوات حولنا، فجأة تأتي فكرة ملحة: «توقف الآن، افتح عينيك، قم بهذا أو ذلك الأمر، إنه أكثر أهمية ...» وإذا حاولنا المقاومة، ستلح علينا أفكارنا: «قم بذلك «الآن» وإلا ستنسى!» سنظن أن ذلك هو ما نريده فعلا وما نحتاجه فورا في هذه اللحظة. لكنني لا أعتقد أن تكون تلك هي الحالة فعلا. الدليل على ذلك هو أننا حين نقرر ألا نطيع فورا وبشكل آلي هذه الأوامر المتنكرة على شكل رغبات، أو تطفلات، أو ضرورات، سندرك غالبا أنها أمور لا تمتلك هذه الأهمية فعلا وأننا نستطيع تجنبها.
في حالة الوعي الكامل، نستطيع أن نقرر بأنفسنا إن كنا سنتبع أفكارنا (إذا أردنا ذلك) أو سنختار أمرا آخر.
نامعلوم صفحہ