تمنيت ألا تدرك ما أصابني به طلبها من ذهول، حاولت التظاهر بالثبات والتماسك، حاولت الرد أو التعليق، بلا جدوى، كم هي جريئة تلك المرأة! أتراها تعبث بي أو تتلذذ في رؤية تأثير ما تفعله في عيني؟ فهي لم تفلتهما من شباك عينيها ... لم تتركني كثيرا لحيرتي، وربما تعمدت إفهامي أنها تقرؤني.
ماتخافش، قالتها وهي تضع يدها فوق يدي المرتاحة المنسية فوق فخذها، شعرت بأنها أيقظتها من سبات عميق لتغطيها بلحاف وثير لا يقل نعومة ولا ليونة عن باقي جسدها. - هو باين عليا أوي إني خايف؟
بابتسامة عذبة ونظرة توسل: لا يا سي محمد، مش قصدي؛ دانا بتمنى اليوم دا من زمان. - اليوم اللي هنا ولا اللي مش هنا؟ (مبتسما بخبث.) - هانتفق، وهالبسلك اللي عمري ما لبسته، وهاطبخلك اللي عمرك ما أكلته، واسمعك اللي عمرك ما سمعته، وأوريك اللي عمرك ما شفته، بس انت مش هاتيجي (قالتها بنفس النظرة المتوسلة). - مين قال مش هاجي؟! (سحبت يدي من مرقدها معترضا.) - مش هاتيجي، أنا عارفة، أنا حلمت إنك مش هاتيجي. - حلمتي؟ خير اللهم اجعله خير (بتهكم لم أقصده). - هاستناك كل يوم تلات الساعة 11 الضهر لحد آخر تلات في عمري. - بعيد الشر، بس ليه التلات مش الأربع؟ - عمة «هاني» ابني بتيجي تاخده يشوف سته. - والنهارده الولاد فين؟ النهارده الجمعة. - عند ستهم كلهم (مسكت يدي وجذبتها لصدرها).
شعرت أنها تغويني بوضعها على نهدها القابل للانفجار بما لذ وطاب من فنون الهوى، لكنها وضعتها أعلى صدرها وركزتها على دقات قلبها هامسة لي: «اسمع، دا اللي مستنيك يا سي محمد».
لا أعرف كيف انتهى ذلك الموقف، أو كيف سحبت يدي، أو كيف تركتها تقبل يدي وتودعني خارجة من سيارتي المحترقة وكأنها تودع شهيدا في حرب القناة، وكيف اختفت ...
الرحلة
أسندت رأسي على المقود، وأنا أشعر بوخزة متقطعة في صدري، متعجب من تلك المرأة (توحة)، حاولت أن أغمض عيني، فانهالت على رأسي أشباح الأم وابنتها، حاولت تثبيت أي صورة لأقارنها ب «توحة» لكن الفارق صار أبعد بين الثلاثة، لماذا لم أسألها عن الحلم؟ لماذا لم أرجع معها ما دام أولادها ليسوا بالبيت؟ شعرت بألفة غريبة وقتها، لم أعد أراها كما اعتدت؛ فقد غمرتني بفيض آخر من المشاعر، شعرت بها تحتضن روحي بهدوء، لكن هناك شعور آخر يجتاحني الآن؛ الغيظ، نعم، الغيظ، فقد أشعرتني بأنني طفل تروضه، تقرؤني طول الوقت؛ بينما ظننتها تمارس فنون الإيقاع بابن الجيران كانت تقوم بتسويتي على نار هادئة، تمنح، وتمنع.
هل تملك حقا؟ وأين كنت أنا من كل هذا؟ هل كنت فقط المثقف المنحرف الباحث عن الخصوبة بين الطوائف الثقافية والاجتماعية المختلفة؟ وكيف تشعل سيارتي، فقط لأنزل لها؟ ما سر الحلم؟ هل كانت تحلم معي في الوقت نفسه؟ وبدأ الصداع يعربد برأسي.
محير هو الشعور بأن أكون صيادا وفريسة لطريدتي، رفعت رأسي وكانت الساعة جاوزت الحادية عشرة عندما رن جرس الهاتف. - أهلا يا عماد. - لا بقولك إيه، صوتك حزايني وبتقول لي عماد يبقى فيه مصيبة، الشغل باظ يا هندسة؟ - لا يا حبيبي كله بخير الحمد لله، إبراهيم مستني ابعتله عربية تنقل الشغل، انت عايزني الساعة كام؟ - لا انت مش طبيعي أكيد؛ «حبيبي!» و«انت عايزني الساعة كام؟!» انت اتربيت يا واد انت في سواد الليل؟! - هاكلم إبراهيم وأجيلك، سلام.
لا أعرف ماذا أصابني، قلة النوم والأحلام الغريبة، وحريق السيارة، وأخيرا «توحة»، والآن لا أطيق كلمة من أحد، لولا تعب «عماد» في استخراج التصاريح اللازمة للتصوير أمام قصر عابدين لكنت الآن ممددا في سريري و«توحة» ممددة لجواري. - سلام عليكم يا حاج إبراهيم، أخبارنا إيه؟ - جاهز يا باشمهندس، تبعت عربية ولا أجيب لك من عندي ؟ - هات من عندك، وادي السواق نمرتي يكلمني لما يقرب من منزل الدائري من الكورنيش عشان أقابله بالتصاريح عشان اللجان، قدامك قد إيه تقريبا؟ - نص ساعة تحميل ونص طريق؛ يعني ساعة يا باشمهندس. - على خيرة الله، سلام عليكم.
نامعلوم صفحہ