سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
اصناف
واستلقى ألقبيادس على الأريكة بين سقراط وأجاثون، يتفوه بألفاظ ما كان ليتفوه بها نهارا، وعيناه بالدمع مبتلتان، ويتدلى على جبهته في سخف شديد إكليل ثقيل من اللبلاب والبنفسج، وأخذ يتحدث كيف اقتفى أثر سقراط كي يتعلم سره، وعن العام الذي قضياه معا في بوتديا، ولكنه كان يعود دائما إلى القوة العجيبة التي كانت تكمن في كلمات سقراط .
ثم قال: «إن كلماته قبيحة كذلك مثل الصندوق الممسوخ، هي كلمات عن الحدادين وصانعي الأحذية والصباغين، حتى إن الرجل الذي يجهلها قد يضحك منها، غير أنك لو فتحت الصندوق وجدت أنه ليست هناك كلمات أخرى لها معنى، إن كلماته مليئة بصور الخير، وهي كلمات ضخمة - ضخمة ضخامة الحياة بأسرها.»
وختم حديثه قائلا: «والآن، هذا هو ثنائي على سقراط ولست وحدي الرجل الذي عانى من جرائه، خذ حذرك يا أجاثون وإلا وقعت أيضا في حباله.»
وأعقب ذلك كثير من الضحك والدعابة، وبعد لحظة وجد بعض الماجنين في الطريق إلى الداخل، واضطرب نظام الوليمة وانحل عقدها، ولم يبق سوى سقراط مع أجاثون كاتب المآسي وأرستوفان كاتب المسرحيات الهزلية يتحدثون حتى مطلع الفجر، أما أرستوديمس الذي روى القصة فيما بعد فقد أخذته سنة من النوم خلال أكثرها، ولكنه ذكر أن سقراط قد أرغم الزميلين الآخرين على الاعتراف بأن المسرحية الهزلية والمأساة يتماثلان في أساسهما، وأن الشاعر التراجيدي يجب أن يكون شاعرا كوميديا كذلك، ولم يستطيعا أن يتابعاه تماما؛ لأن رأسيهما أخذا يميلان، وأخيرا استغرقا في النوم: أرستوفان أولا، ثم أجاثون عند منبثق النهار، ثم نهض سقراط وهم بالانصراف يتبعه أرستوديمس، وقصدا الملعب حيث اغتسل سقراط وقضى نهاره كما ألف، وفي المساء ذهب إلى بيته كي ينام في داره.
هذه هي نهاية قصة أفلاطون، وبعد عام اتهم ألقبيادس بمحاكاة «ألغاز اليوسس»، وهي أقدس الشعائر الدينية التي عرفها الأثينيون وأكثرها غموضا، وقد أوشك ألقبيادس أن يفقد حياته من أجلها، كان يعمل كقائد حربي في صقلية في ذلك الحين، ولم يجرؤ أن يعود إلى الوطن ويقف أمام المحاكمة، وفر إلى الأعداء، ولما وقع الجيش الأثيني في الفخ وهو يتقهقر في صقلية فيما بعد، وقتل ألوف الشبان من الأثينيين أو ماتوا في السجون، كان لنصح ألقبيادس الإسبرطيين شأن كبير بذلك، ولما تطلع الأثينيون من فوق أسوارهم لكي يشهدوا الغزاة الإسبرطيين وهم قادمون على ظهور الجياد من معسكرهم في حصن دسليا عند الحدود، عرفوا مرة أخرى أن على نصح ألقبيادس تعود اللائمة.
وعفا عنه الأثينيون كما كانوا يعفون عنه دائما، وقضى بعد ذلك أربعة أشهر في أثينا، ثم عاد إلى الخدمة في صفوف الأثينيين، وفاز ببعض الانتصارات الباهرة، غير أن كل تألقه تلاشى في النهاية؛ لأنه فقد ثقة القوم فيه، ولما هزم أسطوله في المعركة، ظن الأثينيون أنه تعمد الهزيمة.
ولذا قضى ألقبيادس نهاية الحرب منفيا في تراقية البربرية، وجلس على الشاطئ وشهد الأسطول الأثيني وهو يتحطم دون أن يستطيع حراكا، ثم حاول أن يفر للاحتماء في بلاد الفرس، وقبض عليه وقتل في الطريق، ومات دون صديق، ولم يخلف بعده شيئا سوى قصة القدرات المضيعة.
كان عبدا يمكن أن يتطور إلى رجل حر عظيم، لو اختار أن يكون حرا.
الفصل العاشر
الحرب العظمى
نامعلوم صفحہ