إنه لا يشك إنسان في أن رسول الله - عليه الصلاة والسلام -، قد اندفع من صميم فؤاده وبجميع قواه في سبيل تبليغ رسالته، وقد تحمل الكثير من الأذى وقاسى الصعاب وصبر الصبر الجميل لتدعيم أركان الحنيفية السمحة، واضطهد كثيرا حتى غادر مسقط رأسه. ومع هذا كان يتمنى لقومه الهداية والرشاد، فيطيب الله خاطره، ويخفف عنه، مبينا أن هدايتهم بيده - عز وجل - فيقول: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} (1).
ويصور الله تعالى ضيقه - صلى الله عليه وسلم - في سبيل هداية قومه فيقول: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} (2).
حتى إذا ما رست دعائم الإسلام وقويت شوكته، وقامت دولته كان الرسول - عليه الصلاة والسلام -، القائد الموجه والرئيس المشرف، والفقيه المعلم، والمفتي الصادق يمارس كل هذا بنفسه الصافية، وروحه العالية مندفعا في أداء الأمانة فقضى عمره داعيا إلى الله معلما ومرشدا، يحب أصحابه حبا جما، يشاركهم آلامهم وأفراحهم، وفي هذا كله كان منسجما انسجاما تاما مع رسالته سعيدا بدعوته، خير من يهتدي بسيرته في مختلف مظاهر الحياة، وقد كان الأسوة الحسنة لأصحابه الذين خالطوه ورأوه وسمعوا منه وعرفوا عنه كل دقيق وجليل، فنقلوه إلينا بإخلاص ودقة.
...
صفحہ 35