وخرج العرب باعتناقهم هذا الدين الحنيف من نطاق القبيلة المغلق إلى صعيد الإنسانية الواسع، ومن إطار الصحراء إلى العالم الشاسع، وانقلبت رابطة الدم والقرابة إلى الأخوة في الدين، وانتهى نظام القبيلة وحل مكانه نظام الدولة الإسلامية في مختلف مرافق الحياة وانتقلت حميتهم للقبيلة إلى نصرة الحق، وأصبح اعتزازهم بالإسلام وبما يقدمونه من تضحيات وخدمات بدلا من اعتزازهم بالأنساب، واتجه حبهم للأمجاد والبطولات صعدا إلى تحقيق ما يرضي الله ورسوله، وتحولت شجاعتهم وجرأتهم المحصورة في النطاق القبلي إلى شجاعة وجرأة في سبيل نشر الدين الجديد، وتحول كرمهم الذي بلغ حد السرف إلى إعانة الفقراء وإغاثة الملهوفين، وتزويد الجيوش للدفاع عن معتقداتهم وعن إخوانهم في الدين، وتحرير الأمم من نير العبودية إلى الحرية وعبادة إله واحد ... فكان الإسلام شرفا عظيما لهم كما قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} (1) وكان العرب بحق كما قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (2).
يتبين لنا مما ذكرت أن هؤلاء العرب الذين انطوت نفوسهم على صفات كريمة، وخصال طيبة، وراءها دوافع قوية وحيوية فائقة، كان ينقصهم العقيدة الصالحة، والنظام الحسن، فما إن وجدوهما في الإسلام دين الحنيفية السمحة، حتى كانوا خير حافظ لها، وأول داع إليها، ومن ثم فتحوا قلوبهم للرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام -، وأصغوا إليه، والتفوا حوله
صفحہ 13