61

كان ابن السماء يحتج على استباحة أرضه، فيثبت باحتجاجه أنه يرطن وأنه من عالم آخر تفصله ألوف الفراسخ وألوف السنين.

وكانت رعاياه - رعايا ابن السماء - تحتج وتغضب فتضيف المئات من الفراسخ والمئات من السنين إلى تلك الألوف، فلم يكن أغرب من ابن السماء إلا أبناء أرضه دعاة السلام، أو الملاكمين دعاة الصراع ... ولما أراد رسول التايبنج أن يقترب بعض الاقتراب قال قولته التي جعلته أعجوبة الأعاجيب في أرض العجائب، قال: إنه شقيق المسيح الأصغر، فكان الوثنيون من قومه أدنى الفريقين إلى العقول والأسماع!

ثم فتح العالم أذنيه على صوت جديد: صوت ليس بالغريب عن الصين، وليس بالغريب عن العالم، في لهجته نبرة صينية لا خفاء بها، وفيها نبرة إنسانية لا خفاء بها كذاك، أو لعلها أدنى إلى الإنسانية من بعض ما يسمعونه بينهم، عصر القوة والقسوة والعداء والاعتداء.

ذلك صوت النهضة الحديثة من العالم القديم.

ذلك صوت «الصينية» التي تفهم ولا يضرب بها المثل في الإبهام والخفاء على الأفهام.

وانبرى العالم يتفهم ويتقرب.

أصبحت الصين جزءا من العالم.

ومن حظ الصين هذه المرة أيضا أنه العالم المنقسم على نفسه، فكل قسم منه يريد هذا الطارق الجديد إلى جانبه، إلا أنه يريده ليأخذه من طريق التفاهم بعد طريق السطو والسطوة، ولا يريده ليسلم ويسلم معه من غائله القوة والقسوة، وبلاء العداء والاعتداء.

فالسياسة الاستعمارية أبت، بعد النهضة الصينية، أن تعلم أن الصين تجشمت متاعبها وبذلت ضحاياها لتخلص من مساوئ العهد القديم لا لتبقيه وتطيله؛ كأنها لم تتجشم متعبة ولم تبذل ضحية، فصمدت على دأبها من الطمع والإهانة، وخيل إلى ساسة الغرب أن احتلال بقعة من بقاع الصين واغتصاب جزء من سيادتها قد صار مظهرا من مظاهر الوجاهة الدولية، يعاب على الدولة أن تفقده بين نظرائها ولو لم تكن لها مصلحة فيه. فلما رأت إيطاليا أنها تصعد على مراتب الدول نظرت إلى ما يعوزها من مظاهر الوجاهة فلم تجد لها فرضة على سواحل الصين ولا مرفقا من مرافقها، فطلبت منها أن تؤجر لها إقليم فيوكين البحري وميناء «سان تو آو»، وأوشكت أن تجرد عليها حملة لإرغامها على قبول مقترحاتها.

لا جرم تعود الدول سنة 1922 فترى أنها لا تزال كما كانت قبيل بداية القرن العشرين، وتتفق الدول التسع على معاهدة واشنطن لتعطي الصين أمانا على سيادتها وتحرم على إحداهن أن تنفرد بمزية فيها، وتعيد فتح الباب الذي يتسع لدخولهن مجتمعات على سنة المساواة ...

نامعلوم صفحہ