54

مراسل التيمس، وكلاهما معروف الرأي عند القائد يوان وإن لم يكن رأيهما مكتوبا بالتفصيل، فخلاصته كما عرفها القائد من أحاديثهما أن النظام الملكي أصلح الأنظمة للصين خاصة في أحوالها الداخلية وعلاقاتها الدولية؛ لأنه نظام ذو جذور متغلغلة في تكوين المجتمع وعادات أهل البلاد، وعلى تقرير هذين الخبيرين وغيره من الوثائق المستمدة من تقارير أعوانه وصنائعه بنى السند الدستوري الذي خوله - وهو لا يزال رئيسا للجمهورية - أن يطيل مدته ويوصي بالرئاسة بعده لمن يرتضيه.

أما سن ياتسن فقد تقبل مهمة الإشراف على تنظيم المواصلات غير مترفع عنها بعد رئاسة الجمهورية، والواقع أن منصب المدير العام لمواصلات الصين لا يقاس على نظائره في البلاد الأخرى؛ لأن علاقات الدول بالصين تدور على خطوطها الحديدية ومواصلاتها البحرية والبرية، وتعمير الصين من أقصاها إلى أقصاها يتوقف على مستقبل هذه الخطوط ومعضلاتها المتجددة أكبر من طاقة الدولة الصينية برمتها، وهذه المعضلات هي التي أراد يوان أن يمتحن بها طاقة الزعيم المحبوب، فهو ملاق فيها الفشل والحيرة لا محالة، وكل أولئك خير لإمبراطور المستقبل يوم تتهيأ الفرصة للتشهير بالرئيس القديم.

ومن مهازل النقد والتاريخ أن ألسنة يوان من الصحفيين الأجانب أخذوا على سن ياتسن أنه أمر بإعداد خريطة للصين ترسم عليها المواقع التي يراد الاتصال بينها، فأعدوها له ورسموا الخطوط المطلوبة غير حافلين بما يعترضها من الجبال والأنهار والعقبات، واستدل النقدة المؤرخون بهذا على جهل الزعيم وتصديه لما لا يحسنه ولا يدريه، وفاتهم أن يتهموه بالعمى عن رؤية مواقع الجبال والأنهار ... فليست المسألة إذن جهلا بهندسة المواصلات، فما من أحد يجهل أن الجبال والأنهار تعوق المواصلات، وإنما هي مسألة نظر يرى الجبل في موضعه أو لا يراه.

وحقيقة المسألة أن الخريطة الأولى وضعت كما قال أولئك النقدة المؤرخون، ولكنها خريطة تعقبها خرائط لرسم القناطر والأنفاق أو رسم المنعرجات الطوال والقصار حيث لا يتيسر بناء القنطرة وفتح النفق، ولا بد من الخريطة الأولى والخرائط التي تليها في بلاد لم توضع لها خريطة قط، لغرض من هذه الأغراض.

وقد وجه يوان مساعيه الخفية جميعا لإحباط مشاريع السكك الحديدية والاستيلاء على جميع القروض التي يحصل عليها من خزانة الديون.

ومضى في الإخلال بجميع الشروط المتفق عليها بينه وبين رؤساء الجمعية الوطنية، ومنها شروط لا تستقيم مع الإخلال بها حكومة دستورية، فأغفل البرلمان جملة في مسائل القروض والمعاهدات، واتصل بمندوبي مجلس الديون

Consortium

دون عرض الأمر على الهيئة النيابية القائمة، وهذا المجلس هو الهيئة التي تألفت من مندوبي الدول ذوات القروض والإتاوات: وهي إنجلترا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا واليابان. وقد سمحت للقائد المخاتل بما طلب على شدة ضنها بالمال ... لأنها حمدت منه استمراره على سنن أبناء السماء في ضمانات هذه القروض، ولم يعترض على هذه الضمانات أحد غير الرئيس ويلسون لمساسها بسيادة الصين، خلافا للعهود المتفق عليها بين الدول «ذوات المصالح والامتيازات ...»

والمفهوم من موالاة القائد يوان لمجلس الديون أنه يدخره للمستقبل عسى أن يعترف به إمبراطورا على الصين بعد إلغاء الجمهورية، وأنه اقترض المال وحصل على عدة ملايين فلم ينفق منها كثيرا ولا قليلا على مشروعات التعمير، بل أنفقها كلها على تسليح الفرق الموالية له ورشوة القادة المسلطين على الأقاليم.

والمفهوم أن سن ياتسن وأنصاره نقموا على هذه السياسة خوفا على مستقبل الجمهورية، وانتظارا منهم لتسوية مسائل القروض والديون والجمارك والمواصلات على أساس جديد يناسب الدولة الحديثة، مع مناداتهم باحترام المعاهدات إلى أن تتم التسوية المنتظرة، خوفا من تأليب الدول على العهد الجديد.

نامعلوم صفحہ