واختفى مع الإقطاع، نظام آخر لازمه قديما في غير الصينية، وهو نظام الرق، واستعباد المغلوبين بالمئات والألوف، وأعان على اختفاء الرق أن الحاجة إليه غير لازمة مع وفرة الأيدي العاملة وتقسيم الأرض الزراعية بين أقرباء الدم والمصاهرة.
ومن ظروف الصين التي خصت بها على نطاق واسع، أنهم اختبروا الملكية المشتركة من أقدم العصور، ولبثت بقية منها متخلفة إلى زمن قريب.
فالأرض كانت ملك القبيلة على المشاع، ثم تكاثرت القبائل فأصبحت ملكا للدولة، وأصبحت للدولة حصة من المحصول تتسلمها عينا وتقدرها على حسب المسافة بين العاصمة والأرض المزروعة، فالأرض البعيدة، ترسل المحصول حبوبا، والمتوسطة ترسل الحبوب في السنابل، والقريبة ترسل الحصيد كله، ويتفاوت المقدار في كل حصة، للتسوية بين الضرائب في جميع الجهات، ومن هنا تكفلت دواوين الحكومة قديما بضروب من التجارة والتوزيع، لتصريف المحصولات التي تجبيها.
وحلت الأسرة محل القبيلة زمنا في الملكية الزراعية، ثم تقسمت الأنصبة فتاتا يصغر شيئا فشيئا، ويحتاج مالكه إلى استئجار الأرض من غير ملكه؛ أي من الوالي الذي ينوب عن الدولة في الإقليم.
وكانت في كل إقليم - خلال هذه العصور جميعا - أرض شائعة يتطوع الفلاحون لخدمتها، وهي الأرض الموقوفة على هيكل السلف الأكبر في ذلك الإقليم، فمن غلة هذه الأرض ينفقون على بناء الهيكل وترميمه وخدمته وإقامة محافله، ويعمل الفلاحون فيه بدعوة من الكاهن والوالي أو بالتفاهم على المناوبة، ولا يتقاضون أجرا من أحد. •••
وتنتهي بنا ظروف الصين الخاصة بها والمشتركة بينها وبين غيرها، إلى نتيجتين:
النتيجة الأولى:
أن تجاربها الماضية تجعلها بابا مفتوحا لكل تجربة محتملة، تدخلها غريبة وتصطبغ فيها بصبغتها الوطنية؛ إذ لم يكن من طبيعة الأنظمة الحكومية التي سبقت فيها أن تغلق الباب على نظام جديد يطرأ عليها.
والنتيجة الثانية:
أن أحداثها السياسة تحسب من قبيل التغييرات المتشابهة، ولا تحسب من قبيل التطورات المتجددة، فإن أسرتها الأخيرة نسخة من أسرها الأولى قبل الميلاد بعدة قرون، ومحور التغيير فيها قوة الأسرة وضعفها، فإذا كانت الأسرة وطنية، تربصت بها القبائل الساطية غرة الضعف والغفلة فانقضت عليها واغتصبت منها عرشها، ثم تضعف هذه الأسرة الأجنبية وتعتريها الغفلة مع الزمن؛ فتسقطها أسرة وطنية أخرى أو غارة جديدة من القبائل الضاربة حول بلاد الحضارة، فليس في هذه التغييرات تطور لنظام الحكم على مبدأ جديد.
نامعلوم صفحہ