فبادر ياسين مشيرا إلى غريمه: كان يقرفني في السجن وحياتك، ويقول لي أنا أقدم منك!
وإذا بمحمد حسن يعود من مقابلة وكيل الوزارة، فساد الصمت وتطلعت نحوه الرءوس.
واتجه الرجل نحو حجرته لا يلوي على شيء، فتبادلوا النظرات متسائلين. لا يبعد أن يكون أحد المتخاصمين الآن رئيس قلم، ولكن من صاحب الحظ السعيد؟ وفتح باب المدير. وظهر رأسه الأصلع وهو ينادي بصوت جاف: «ياسين أفندي». فنهض ياسين بجسمه الضخم، ومضى نحو الحجرة وقلبه يخفق. وتفحصه المدير بنظرة غريبة ثم قال: رقيت إلى الدرجة السادسة!
فقال ياسين وقد انشرح صدره: شكرا يا افندم ..
فقال الرجل بلهجة لا تخلو من جفاف: من الإنصاف أن أصارحك بأنه يوجد من هو أحق بها منك، .. ولكنها الوساطة!
فغضب ياسين، وكان كثيرا ما يغضب حيال هذا الرجل، وقال: الوساطة! ما لها؟ هل تتم حركة كبيرة أو صغيرة دون وساطة؟ هل ترقى مخلوق في هذه الإدارة، في هذه الوزارة، بما فيهم حضرتك، دون وساطة؟
فكظم الرجل غيظه، ثم قال: لا يأتيني من ناحيتك إلا وجع الدماغ، تترقى بدون وجه حق، ثم تثور لأقل ملاحظة عادلة، ما علينا، مبارك، مبارك يا سيدي، فقط أرجو أن تشد حيلك، أنت الآن رئيس قلم!
فتشجع ياسين بتراجع المدير، وقال دون أن يخفف من حدته: أنا موظف منذ أكثر من عشرين عاما، وعمري اثنان وأربعون عاما، فهل تستكثر علي الدرجة السادسة؟! إن الغلمان يعينون فيها بمجرد تخرجهم من الجامعة! - المهم أن تشد حيلك، أرجو أن أعتمد عليك كبقية زملائك. لقد كنت وأنت ضابط مدرسة النحاسين مثال الموظف المجد، ولولا تلك الحادثة القديمة ... - شيء قديم فلا داعي لذكره الآن، وكل واحد له أخطاؤه .. - أنت الآن في سن الرجولة الناضجة، فإذا لم يستقم سلوكك تعذر عليك أن تقوم بواجبك، كل ليلة سهر فبأي مخ تعمل في الصباح. أريد أن تنهض بالإدارة، هذا كل ما هنالك ..
فاستاء ياسين للتعريض بسيرته، وقال: لا أقبل أن يمس إنسان سلوكي الخاص بكلمة، أنا حر خارج الوزارة! .. - وداخلها؟ - سأعمل ما يعمله رؤساء الأقلام، أنا اشتغلت في ماضي ما يكفيني طوال العمر ..
عاد ياسين إلى مكتبه متكلفا الابتسام رغم جيشان صدره بالغضب، وذاع النبأ فتلقى التهاني.
نامعلوم صفحہ