فقال حلمي عزت: أستطيع أن أؤكد أن مظاهرات الجامعيين ستتدفق على بيت النقراشي ..
فقال عبد الرحيم باشا: كل شيء يحتاج إلى التنظيم، اجتمعوا بأنصارنا من الطلبة وأعدوا العدة، وفضلا عن هذا فإن الأخبار التي عندي تؤكد أن كثرة لا تصدق من النواب والشيوخ سينضمون إلينا .. - النقراشي هو خالق لجان الوفد، لا تنسوا ذلك، إن تلغرافات الولاء تتسابق إلى مكتبه صباح مساء.
وتساءل رضوان ماذا يحدث في الدنيا؟ ترى أينقسم الوفد مرة أخرى؟ وهل يتحمل مسئولية ذلك حقا مكرم عبيد؟ وهل تتفق مصلحة الوطن وانقسام الحزب الذي نهض برسالته ثمانية عشر عاما؟ وطال الأخذ والرد، وبحث المجتمعون اقتراحات شتى خاصة بالدعاية وتدبير المظاهرات، ثم أخذوا في الانصراف حتى لم يبق في البهو إلا الباشا ورضوان وحلمي عزت، وعند ذاك دعاهما للجلوس في الفراندا، فمضيا وراءه، وجلس ثلاثتهم حول منضدة، وسرعان ما حملت إليهم أقداح الليمون، وما لبث أن تراءى عند الباب رجل في الأربعين، عرفه رضوان في بعض زياراته السابقة، يدعى علي مهران، يعمل وكيلا للباشا، وكان منظره يوحي بما طبع عليه من ميل للمزاح والمجون: وكان يصحب معه شابا في العشرين من عمره، جميل المحيا، يبدو من منظر شعره الهائج وسوالفه الطويلة وربطة عنقه العريضة أنه من أهل الفن. وقد أقبل علي مهران باسم الثغر فقبل يد الباشا، وصافح الشابين، ثم قدم الشاب قائلا: الأستاذ عطية جودت، مغن ناشئ لكنه موهوب، وقد سبق أن حدثتك عنه يا معالي الباشا!
فلبس الباشا نظارته التي كان وضعها على المنضدة، وتفحص الشاب بعناية، ثم قال باسما: أهلا وسهلا يا سي عطية، سمعت عنك كثيرا، فلعلنا نسمعك هذه المرة ..
فدعا للباشا باسما، ثم جلس، على حين مال علي مهران على الباشا وهو يقول: كيف حال عمي؟
هكذا كان يخاطب الباشا إذا زالت دواعي الكلفة، وأجابه الرجل باسما: أحسن منك ألف مرة!
فقال علي مهران جادا على خلاف عادته: يتهامسون في بار الأنجلو عن وزارة قومية قريبة برياسة النقراشي؟
فابتسم الباشا ابتسامة سياسية وتمتم: لسنا من المستوزرين.
وتساءل رضوان باهتمام وقلق: على أي أساس؟ طبعا لا أستطيع أن أتصور أن يقوم النقراشي بانقلاب سياسي كمحمد محمود أو إسماعيل صدقي؟
فقال علي مهران: انقلاب! كلا. المسألة تنحصر الآن في إقناع أكثرية الشيوخ والنواب بالانضمام إلينا، ولا تنس أن الملك معنا، فعلي ماهر يعمل بحكمة وأناة!
نامعلوم صفحہ