وكانت تجيش بصدره مشاعر صداقة ومودة بيد أن شوائب من عدم الارتياح شابتها، فصداقته لفؤاد كانت ولا تزال تنطوي على نوع من الصراع، صراع من الحب والنفور، بين المودة والغيرة، ومهما يحاول أن يتسامى بعقله فالغرائز تشده على رغمه إلى الإسفاف الدنيوي. فلم يكن يشك وهو يهبط السلم في أن هذه الزيارة ستثير عنده ذكريات سعيدة ولكنها في الوقت نفسه ستنكأ جروحا كادت أن تندمل. وعندما مر في الصالة بمجلس القهوة المكون من الأم وعائشة ونعيمة سمع أمه وهي تهمس قائلة: سوف يطلب يد نعيمة ..
ولما شعرت بوجوده التفتت إليه قائلة: صديقك بالداخل، ما ألطفه، أراد أن يقبل يدي فمنعته!
ورأى والده متربعا على الكنبة وفؤاد جالسا على مقعد قبالته. فتصافح الصديقان القديمان وكمال يقول: حمدا لله على السلامة، أهلا وسهلا، .. أنت في إجازة؟ فأجاب عنه السيد أحمد باسما: بل نقل إلى نيابة القاهرة، نقل أخيرا بعد غربة طويلة في الصعيد ..
فجلس كمال على الكنبة وهو يقول: مبارك، من الآن فصاعدا نرجو أن نراك من آن لآخر.
فقال فؤاد: طبعا، وسنقيم من أول الشهر القادم بالعباسية، استأجرنا شقة بجوار قسم الوايلي ..
لم تتغير هيئة فؤاد كثيرا، ولكن صحته تقدمت بدرجة محسوسة فامتلأ عوده وتورد وجهه، أما عيناه فما زالتا تشعان ذلك الوميض الذكي. وسأل السيد أحمد الشاب قائلا: وكيف حال والدك؟ .. لم أره منذ أسبوع؟ - ليست صحته على ما يرام، إنه لا يزال آسفا على ترك المحل، لكن المأمول أن يكون خليفته قائما بالواجب؟
فضحك السيد قائلا: الأمر يقتضيني اليوم يقظة متواصلة، كان والدك يقوم بكل شيء شفاه الله وعافاه ..
واعتدل فؤاد في جلسته ووضع رجلا على رجل فلفتت هذه الحركة انتباه كمال فيما يشبه الانزعاج، أما السيد فلم يبد عليه حتى إنه لاحظها. أهكذا تتطور الأمور، أجل إنه وكيل نيابة قد الدنيا، ولكن أنسي من يكون الشخص المتربع أمامه؟! رباه ليس هذا فحسب. لقد أخرج علبة سجائر وقدمها للسيد فاعتذر شاكرا! حقا إن النيابة تنسي، ولكن من المؤسف أن يمتد نسيانها إلى ولي النعمة الذي يبدو أن فضله تبدد في الهواء كدخان هذه السيجارة الفاخرة. ولم يكن في حركات فؤاد تكلف من أي نوع كان، كان سيدا قد تعود السيادة. وقال السيد مخاطبا كمال: وهنئه أيضا؛ فقد رقي من مساعد إلى وكيل نيابة.
فقال كمال باسما: مبارك .. مبارك، أرجو أن أهنئك قريبا بكرسي القضاء.
فقال فؤاد: الخطوة التالية إن شاء الله.
نامعلوم صفحہ