فقالت خديجة: أحسنت!
وقال له أبوه باسما: أنت كأمك، وكلاكما لا تساويان شيئا ..
ودق الباب، فجاءت الخادم تؤذن بقدوم الجارة الساكنة في الدور الأول، فقالت خديجة وهي تهم بالقيام: ماذا تريد يا ترى؟ .. إن كان في الأمر تأجيل دفع أجرة فلن يفصل بيننا إلا قسم الجمالية!
11
كان الموسكي شديد الزحام، اكتظ بأهله، وما أكثرهم! فضلا عما استجد عليه ذلك اليوم من تيارات بشرية تدفقت من ناحية العتبة. وكانت شمس أبريل الصافية تقذف لهبا، فشق عبد المنعم وأحمد سبيلهما في جهد غير يسير وهما يتصببان عرقا. وقال أحمد وهو يتأبط ذراع أخيه: حدثني عن شعورك ..
فتفكر عبد المنعم قليلا، ثم راح يقول: لا أدري، الموت رهيب، فما بالك بموت ملك، وكان طريق الجنازة مكتظا بالناس بصورة لم أشهدها من قبل، أنا لم أشهد جنازة سعد زغلول حتى أستطيع المقارنة بين الجنازتين، ولكن يبدو لي أن أكثر الناس كان متأثرا على نحو ما، وبعض النساء يبكين .. نحن المصريين قوم عاطفيون .. - لكني أسألك عن شعورك أنت؟
فعاد عبد المنعم يفكر وهو يتفادى من الارتطام بالناس، ثم قال: لم أكن أحبه، وهذا اعتنقناه جميعا، فأنا لم أحزن، ولكنني لم أسر كذلك، تابعت النعش بعين من لا قلب له، لا له ولا عليه، غير أن فكرة الجبار في النعش أثرت في، لا يمكن أن يمر منظر كهذا دون أن يؤثر في، لله الملك جميعا، هو الحي الباقي فليت الناس يعلمون، غير أنه لو مات الملك قبل أن تتغير الحالة السياسية التي كانت قائمة لزغرد كثيرون وكثيرون جدا .. وأنت ما شعورك؟
فقال أحمد باسما: أنا لا أحب الطغاة أيا كانت الحالة السياسية! - هذا حسن، ولكن منظر الموت .. - ولا أحب الرومانتيكية المريضة!
فتساءل عبد المنعم في ضجر: أسررت إذن؟ - تمنيت أن يمتد بي العمر حتى أرى العالم وقد خلص من كافة الطغاة على اختلاف أسمائهم وأوصافهم ..
وسكتا قليلا وكان التعب قد نال منهما كل منال، ثم عاد أحمد يتساءل: وماذا عما بعد ذلك؟
نامعلوم صفحہ