وقال المحامي: ومهما يكن من أمر، فإن حانات الشوارع الإفرنجية لن تمس بسوء، فما عليك يا خالو إذا وقع المحذور، إلا أن تسهم في تافرنا أو غيرها .. والخمار للخمار كالبنيان يشد بعضه بعضا!
وقال باشكاتب الأوقاف: إذا كان الإنجليز قد دفعوا بدباباتهم إلى عابدين لمسألة تافهة هي إعادة النحاس إلى الحكم، فهل تظنهم يسكتون عن إغلاق الخمارات؟!
وكان بالحجرة - إلى جماعة ياسين - نفر من أهل البلد من التجار، ولكن على الرغم من ذلك اقترح الباشكاتب أن يمزجوا سكرهم بشيء من الغناء قائلا : هلموا نغني «أسير العشق».
فبادر خالو بالعودة إلى موقفه وراء الطاولة، وراح الأصدقاء يغنون «أسير العشق يا ما يشوف هوان»، وبدت نغمة السكر أوضح الأنغام في أصواتهم حتى لاحت في وجوه أهل البلد بسمات ساخرة. غير أن الغناء لم يستمر طويلا، وكان ياسين أول المنسحبين، ثم تبعه الآخرون فلم يتم الدور إلا الباشكاتب، ثم ساد سكوت تقطعه من حين إلى حين مصمصة أو تمطق أو يد تصفق في طلب كأس أو مزة، وإذا بياسين يقول: أما من وسيلة ناجعة للحبل؟
فقال الموظف العجوز كالمحتج: لا تفتأ تسأل هذا السؤال وتعيده! .. صبرك بالله يا أخي ..
وقال باشكاتب الأوقاف: لا داعي إلى الجزع يا ياسين أفندي، ومسير بنتك تحبل!
فقال ياسين وهو يبتسم ابتسامة بلهاء: إنها عروس كالوردة، زينة السكرية، ولكنها أول فتاة في أسرتنا يمر عليها عام على زواجها دون أن تحبل، لهذا جزعت أمها! - وأبوها فيما يبدو!
فقال ياسين ضاحكا: إذا جزعت الزوجة جزع زوجها .. - لو يتذكر الإنسان قرف الأولاد لكره الحبل! - ولو! الناس يتزوجون عادة لإنجاب الذرية .. - لهم حق! لولا الأطفال ما طاق الحياة الزوجية أحد ..
فشرب ياسين كأسه وهو يقول: أخشى أن يكون ابن أختي من أتباع هذا الرأي .. - بعض الرجال ينجبون الأطفال ليشغلوا زوجاتهم بهم فيستردوا شيئا من حريتهم المفقودة!
فقال ياسين: هيهات، المرأة ترضع طفلا وتهدهد آخر ولكنها في نفس الوقت تحملق في زوجها: أين كنت؟ لماذا غبت إلى هذه الساعة؟ ومع ذلك فالحكماء لم يستطيعوا أن يغيروا هذا النظام الكوني. - ماذا منعهم؟ - أزواجهم! لم يدعن لهم فرصة للتفكير في ذلك .. - اطمئن يا ياسين أفندي، فإن زوج بنتك لا يمكن أن ينسى فضل ابنك في توظيفه .. - كل شيء ينسى ..
نامعلوم صفحہ