صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
اصناف
لا أدعو إلى أن يدرس تاريخ اليونان والرومان فحسب، وإنما أدعو إلى أن تدرس أقسام التاريخ كلها. وإلى أن ينال كل قسم منها حظا موفورا من العناية؛ فإن حياة النوع الإنساني في جميع العصور والأمكنة، حياة واحدة موقوف بعضها على بعض، ومن الخطأ الفاحش أن نهمل طرفا منها في حين نستطيع أن ندرسه ونعنى به.
لم أقل إلى الآن إلا ما يرغب في درس التاريخ اليوناني من الفائدة العملية، وكنت أود لو استطعت أن أستغني عن هذا كله، وألا أرغب الناس في درس قسم من أقسام التاريخ إلا بأنه قسم من أقسام العلم وأن من الحق علينا أن ندرسه لأنه علم ليس غير؛ فإن الأمم التي بلغت من الرقي مبلغا معقولا تخصص من مالها ووقتها وقوتها مقدارا غير قليل، تنفقه في درس العلم ونشره، لا تبتغي من وراء ذلك فائدة عملية. تلك منزلة يسوءني الاعتراف بأنا لم نصل إليها بعد، ويسرني أن يكون وصولنا إليها غير بعيد.
3
إذا كان الجهل وحده هو الذي ينفرنا من تاريخ اليونان ويرغبنا عنه، فما أيسر الطب لهذا الداء والتماس الدواء لشفاء هذه العلة! فليس للجهل دواء إلا العلم، كما أن الجوع لا يشفيه إلا الأكل، وكما أن الظمأ لا ينقعه إلا الشرب.
ولأن تكون علتنا الجهل خير من أن تكون علتنا الغباء وعدم الاستعداد. لهذا أرى أن ليس للراغبين في نشر العلم إلا أن يسعدوا ويستبشروا؛ فإن الحاجة إليهم شديدة، وعملهم أشد الأعمال نفعا، وأسرعها إنتاجا.
وقد بلوت ذلك فأحسنت بلاءه، وجربته فحمدت تجربته. لقد كان الناس في أول عهدهم بدرس التاريخ اليوناني ساخطين منكرين، يتثاقلون عن الدرس. فإذا خفوا إليه أغرقوا في النوم والأستاذ مغرق في كلامه. يشكون ما بينهم وبين هذه المادة من تنافر، ويتمنون على الأستاذ لو بدلهم منها مادة أيسر عليهم، وأحب إليهم، وأخلب لنفوسهم.
ولقد أعلن بعضهم أكثر من مرة أن الدرس يسئمهم فيملأهم سأما، ويملهم فيقتلهم مللا. فما كنت أريد أن أشجعهم مرة، وألومهم أخرى، وأعرض عنهم في كثير من الأحيان، وما هي إلا أن مضى على ذلك شهران أو ثلاثة، حتى أخذت أرى فيهم من بدأ يأنس لهذا الدرس ويتحبب إليه. وأخذت أكلف بعضهم المحاضرات وإعداد الدروس في هذه المادة، فيجيبون راضين، غير كارهين، ولا متمنعين، فأما من قرأ منهم لغة أوروبية، فقد كان يجيب إلى ذلك فرحا نشيطا، وقد كان يعمل فيحسن العمل إحسانا إضافيا.
ولقد كنت أتخير لهم أصعب المسائل فلا يحجمون. ولقد كنت أتشدد عليهم في النقد فلا يزيدهم ذلك إلا رغبة وإقداما؛ فأنا عنهم راض وفيهم آمل.
وأما الذين لم يحسنوا إلا العربية فقد أقدم بعضهم مجازفا، ونكل بعضهم معذورا؛ فإن اللغة العربية مع الأسف معدمة كل الإعدام في هذه المادة، وليس يتاح لمن لم يعرف لغة أوروبية أن يشفي نفسه من تاريخ اليونان أو الرومان.
هذا الجمهور الذي لم يعرف من اللغات الأوروبية ما يمكنه من إرضاء نفسه المتشوقة إلى العلم، العاجزة عن تحصيله، هو أحق الناس بالعناية. فلئن كان من النافع أن يدرس الناس اللغات الأجنبية فليس من الميسور أن يدرسوها جميعا، وليس من حقنا أن نطالب الناس جميعا بذلك، وما رأينا غيرنا قد أرادهم على ذلك في بلد من البلاد. وإنما يجب علينا نحن الذين قرءوا هذه اللغات، وألموا ببعض ما اشتملت عليه من علم أن نبيح لهم حماها، وأن نكون الواسطة بينهم وبين استثمار كنوزها. فإن لم نفعل فقد أسأنا إلى أمتنا، وإلى أنفسنا «وحسبك من شر سماعه».
نامعلوم صفحہ