صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
اصناف
إلى غيرهم. ولقد حاول سفوكليس تمثيل هيراقل فلم ينل من الإجادة والإتقان والقدرة على تحريك القلوب ما نال حين مثل غيره من الأبطال؛ لأن هيراقل كان إلى الآلهة أقرب منه إلى الناس.
انحصر موضوع التراجيديا في أبطال العصور الأولى وكان من المنتظر أن يشق ذلك على الشعراء ويجهدهم وينتهي بهم إلى التقصير؛ لأن هؤلاء الأبطال قد تناولهم الشعر القصصي أكثر من مرة في عصور مختلفة. فوصف حياتهم وصفا دقيقا وأظهر ما كان يبعثهم على العمل من شهوة عنيفة أو هوى قوي، ومن عاطفة دقيقة أو شعور عميق، ولكن الشعراء الممثلين لم يعجزهم ذلك عن الإجادة، بل عن الإبداع والإعجاز، فما كادوا يتناولون هؤلاء الأبطال حتى أحسنوا تمثيلهم وأبدعوا في تصوير نفوسهم واتخذوا منها مرآة صافية وضعوها أمام النوع الإنساني، فرأى كل فرد من أفراده في هذه المرآة نفسه وما يزينها من فضيلة أو يعيبها من نقص، ولم يقف نبوغهم عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى إظهار الحياة اليونانية الأولى، في صورة من المجد جميلة خلابة ملأت قلوب الجمهور إعجابا وفخرا، وبعثت فيها عاطفة الإقدام على كل جليل، والإعراض عن كل دنيء لا يلائم نفسا عزيزة ولا يليق بقلب ذكي.
فهذا كله ينتهي بنا إلى قضيتين ليس فيهما شك؛ الأولى: أن الشعراء القصصين قد بذروا في النفس اليونانية بذورا كانت من القوة والاستعداد للحياة والنمو والإنتاج بحيث يعجز الزمان عن إفنائها وإبلائها؛ فقد أثمرت هذا الشعر القصصي وأثمرت غير قليل من الشعر الغنائي وأثمرت الشعر التمثيلي عند اليونان والرومان، ولا ينبغي أن ننسى أنها أثمرت أجمل ما يزدان به التمثيل الفرنسي في القرن السابع عشر، وهي على هذا كله جديدة رائعة خلابة للنفوس، أخاذة بمجامع القلوب، وأثمرت إلى هذا كله حظا موفورا من الفن القديم والحديث، بين تصوير ونقش، وحفر وبناء.
الثانية: أن شعراء اليونان كانوا من النبوغ وقوة البصيرة ونفاذها ومن ذكاء القلب وحدة الخاطر، بحيث استطاعوا أن يتناولوا هذه الموضوعات التي طال عليها العهد وتداولها غيرهم من الشعراء، فيجددوها ويكسوها روعة طريفة وبهجة لم يكن لها بها عهد، حتى لكأنها آية مبتكرة، أو بدع في الأدب جديد، فإذا أضفت إلى هذا أن هؤلاء الشعراء على تعاصرهم كانوا يتناولون الموضوع المعين الذي قدم وطال عهده فيمثله كل واحد منهم تمثيلا خاصا يعطيه شكلين مختلفين وصورتين من الجمال تتباينان وتتباعدان، وكلتاهما تملك القلب وتستهوي النفس وتملأ الجمهور إعجابا يخرجه عن وقاره، وينسيه حياته وما يملأها من حوادث وخطوب، عرفنا السر في أن الأدب اليوناني قد كان ولا يزال أحسن صورة وصلت إليها الإنسانية في تمثيل الجمال.
12
على أن هذا كله لا يكفي ليعطي القارئ من التراجيديا صورة واضحة جلية تمكنه من أن يقدم على قراءتها ملما بها بعض الإلمام، متصورا لها بعض التصور، فلا بد من أن نشير بشيء من الإيجاز إلى تأليفها، والأجزاء التي كانت تكونها، وما اتخذ الشعراء الممثلون في إنشائها من قاعدة وأصل.
هبك في الملعب تنتظر ابتداء التمثيل، فأول ما تشهد من ذلك غالبا إنما هو قدوم الجوقة ولكن هذا ليس أول القصة، إنما أولها شيء تمهيدي يلخص فيه موضوع القصة، ويشار فيه إشارة خفية - ولكنها كافية لإعداد النظارة - إلى ما سيقع أمامهم من حادثة. هذا القسم الأول يسميه اليونان برولوجوس
7
أي مقدمة ينطق به واحد أحيانا،
8
نامعلوم صفحہ