وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر شيد في المناطق الشرقية من العالم الإسلامي، في إيران وآسيا الوسطى تحت حكم المغول وخلفائهم القبليين، بعض من أكبر الأضرحة الصوفية المزينة بالزخارف وأكثرها إثارة للدهشة على الإطلاق، والتي كانت في بعض الأحيان مؤسسات الإقامة الوحيدة التي تتعامل معها الجماعات البدوية.
71
ويعد مجمع أضرحة الشيخ محمد بن بكران (المتوفى عام 1303، والمعروف أيضا باسم بيربكران) - الذي اكتمل تشييده نحو عام 1312، ويقع على بعد عشرين ميلا تقريبا من مدينة أصفهان الإيرانية - واحدا من أجمل المباني الباقية التي شيدت في إطار رعاية المغول للصوفيين.
72
عندما أصبحت تلك العلاقات مع الجماعات الحاكمة أكثر شيوعا، وأصبحت مزاعم الصوفية بالعلو الكوني أكثر مبالغة، بدأت أضرحة الأولياء الصوفيين تقتبس طراز المقابر الملكية، بل في بعض الحالات بدأ الحكام يتركون مقابر أسلافهم كي يدفنوا بالقرب من الأولياء.
73
وبعد أن كان الصوفيون جماعة من جماعات مسلمة كثيرة تزعم القيادة الدينية قبل القرن الحادي عشر، أصبحوا فيما بين القرن الثاني عشر والخامس عشر المتحدثين باسم الله على الأرض، وفي الوقت نفسه بطانة الملوك.
شكل 2-3: من البداوة إلى الإسلام: ضريح برعاية مغولية للشيخ محمد بن بكران (المتوفى عام 1303) (تصوير: نايل جرين).
لا داعي لرؤية هذا التطور من منظور الندم أو التدهور؛ فتحول الصوفيين إلى أولياء يبدو منطقيا جدا عندما ينظر إليه المؤرخ - إن لم يكن بالضرورة عالم الدين - في ضوء السياق الاجتماعي الذي حدث فيه. ويصبح هذا الأمر أكثر وضوحا عندما ننظر إلى أنواع المعتقدات والأفعال والعواطف التي جعلها تقديس الصوفيين ممكنة، ليس فقط بالنسبة إلى النخب الحاكمة، بل أيضا إلى الأشخاص العاديين في وقتهم . دعونا نتطرق لعواقب هذه الولاية بالترتيب، أولا من خلال رؤية كيف تأثرت حياة النخب ثم حياة العوام بعلاقتهم مع الصوفيين كأولياء. كما رأينا في السابق، فمنذ عهد السلاجقة فصاعدا، دخل الصوفيون في علاقات رعاية مع حكام زمانهم، اكتسبوا من خلالها الموارد المادية اللازمة لتشييد مؤسسات مادية يعيشون فيها ويتربون. إلا أنه من المهم فهم جانبي تلك العلاقات، وكي نرى ما حصل عليه السلاطين والنخب الأخرى في مقابل رعايتهم للصوفيين، يجب أن نلتفت إلى النوع الخاص من الموارد الذي اعتقد أن كبار الصوفيين يمتلكونه في حياتهم ومماتهم. ونظرا لأن دور الصوفيين لم يقتصر على كونهم أدوات لإعطاء الشرعية الدينية للحكام من خلال العمل العام في مدارسهم أو قبول الهدايا في خانقاواتهم، فقد كان على القدر نفسه من الأهمية المعتقد المتمثل في أن الصوفيين البارزين بصفتهم أولياء الله يمتلكون قوة غامضة فعالة على نحو هائل تسمى «البركة»، والتي يستطيعون توجيهها لأي اتجاه يختارونه من خلال قدرتهم على صنع الكرامات.
إذا كانت العلاقة بين الولي والسلطان علاقة أخذ وعطاء، لكنها مبادلة لموارد غير متشابهة متمثلة في الأموال والأراضي في مقابل المعجزات والبركة. وبداية من القرن الثاني عشر فصاعدا، بدأنا نسمع في كل أرجاء العالم الإسلامي تقريبا عن الكثير والكثير من القصص، التي نرى فيها استخدام الأولياء الصوفيين بركتهم كوسيلة للتدخل فيما يمكن اعتباره من الناحية العلمانية أمورا سياسية؛ فقد شفوا الملوك وأعضاء حاشيتهم من أمراض خطيرة، وكانوا يقررون نتائج المعارك الحاسمة، وكانوا يعدون ورثة الحكام الذين ليس لديهم أبناء بتولي الحكم، وكانوا يتسببون في انهيار أو ازدهار المدن، وكانوا يجلبون الوباء أو الرخاء إلى الإقطاعيات الخاضعة للضرائب. وكما هو متوقع، فإن أغنى مصادرنا عن هذه القصص هي سير الأولياء التي كتبها أتباعهم (وفي كثير من الأحيان ذريتهم)، لكن لا يمكن القول إن هؤلاء الورثة الذين نشروا القصص كانوا - ولو بقدر قليل - «متعهدين» (بلفظ بيتر براون الذي استخدمه لوصف تبجيل القديسين في المسيحية) لأعمال أقاربهم وشيوخهم. ولقد رأينا بالفعل هذا التطور في سير الأولياء التي كتبتها عائلة أبي إسحاق الكازروني (المتوفى عام 1035)، وقد كانت قصصا ناجحة على نحو كان كافيا لجذب الحكام المحليين. نتيجة لذلك، سمى شرف الدين محمود شاه حاكم جنوب إيران - الذي كان من بني إينجو (المتوفى عام 1336) - ابنه الأصغر أبا إسحاق على اسم الولي أبي إسحاق الكازروني، وفي عام 1334 دفع الحكام الإينجويون لبناء مدرسة بجوار قبر الكازروني.
نامعلوم صفحہ