20
بطبيعة الحال، كان الخطر الواضح لفكرة أن البشر مكونون مما مكون منه الله هو هدمها للفرق بين الخالق والمخلوق، بالإضافة إلى هدم التهديد بالعقاب الإلهي الذي يقوم عليه النظام الأخلاقي. وفي حين كان ابن عربي في نظر أتباعه «الشيخ الأكبر»، كان في عيون منتقديه «الشيخ الأكفر».
21
على الرغم من ذلك، فقد انتشر فكر ابن عربي انتشارا واسعا على نحو مذهل؛ من ناحية بسبب الزيادة التدريجية لتأثيره، ومن ناحية أخرى بسبب جهود مجموعة من أتباعه المجتهدين، الذين ضموا صدر الدين القونوي (المتوفى عام 1274) في الأناضول، وفخر الدين العراقي (المتوفى عام 1289) في الهند، ومحمود الشبستري (المتوفى عام 1340) في إيران، ومحمد وفا (المتوفى عام 1363) في مصر، وعبد الكريم الجيلي (المتوفى عام 1408 أو 1428) في العراق، ومحمد بن سليمان الجزولي (المتوفى عام 1465) في المغرب.
22
ومن ناحية الأفكار النظرية، إن لم يكن بالضرورة من ناحية التنظيم الاجتماعي ووسائل التواصل، فإن الصوفية بعد القرن الرابع عشر كانت مدينة على نحو هائل لعمق تفكير وإنتاجية ابن عربي، ابن الأندلس.
حدثت هجرة ابن عربي إلى منطقة شرق البحر المتوسط على خلفية سقوط مسقط رأسه مرسية في يد مملكة قشتالة، ومن المناسب القول بأن العقود الأخيرة من حياته قضاها بأمان في عاصمة صلاح الدين الأيوبي، قاهر الصليبيين العظيم. وكانت الحياة المبكرة للعظماء الآخرين من منوعي الفكر الصوفي في هذه الفترة شاهدة على نحو مشابه على تراجع القوة الإسلامية؛ ففي مقابل هروب ابن عربي إلى الشرق، هرب جلال الدين الرومي (المتوفى عام 1273) في صباه إلى الغرب، بسبب التقدم المغولي باتجاه خراسان، ليعيش في أمان قونية عاصمة السلاجقة في الأناضول. وإذا كان ابن عربي عادة ما يعتبر أعظم منظري الصوفية، فإن الرومي يعتبر عادة أعظم شعرائها.
23
وبينما سنتطرق إلى الجوانب الأكثر أدبية في عمل الرومي، عندما نناقش لاحقا موضوع إضفاء الطابع المحلي على الصوفية، فالمهم هنا هو الطريقة التي من خلالها جعل الحب محوريا في نسخته من الطريقة الصوفية. صحيح أن الرومي لم يكن على الإطلاق أول الصوفيين الذين طرحوا فكرة أهمية الحب بين البشر، بيد أننا لا نتعامل مع سياق ثقافي كانت تعتبر فيه الأصالة والابتكار من الفضائل. هذا لا يعني أن الناس كانوا غير قادرين على ابتكار أفكار جديدة، بل يعني أنهم كمشاركين في تقليد يتمتعون بالوعي الذاتي قدموا أنفسهم في صورة من يستخلص الحقائق نفسها التي أدركها الأنبياء والشيوخ الصوفيون السابقون. هذا ما حدث في حالة تصوف الحب الذي قدمه الرومي الذي نشأ عن مناقشات قديمة عن الحب قدمها صوفيون؛ مثل أبي الحسن الديلمي (المتوفى في القرن العاشر)، وأبي الفتوح أحمد الغزالي (المتوفى عام 1126).
24
نامعلوم صفحہ