110
إلا أن الريف الجبلي الأفغاني ظل محتفظا بكثير من سمات الأشكال الإقليمية المحلية من التقليد الصوفي التي كانت اختفت في ذلك الوقت، في ظل ضغوط التحديث أو الإصلاح التي أعادت تشكيل البلدان الإسلامية الأخرى في القرن العشرين.
111
وفي مدينة تاشقرغان (المعروفة أيضا باسم خلم) الواقعة في شمال أفغانستان، بقيت أشكال محلية من التقليد الصوفي توارثتها الأجيال عبر كتيبات باللغتين الفارسية والأوزبكية، ربطت النجارين والدباغين وغيرهم من الحرفيين بطقوس وسلالات أولياء معينين، وربطت صناع الحلوى ببابا فريد كنج شكر، ابن مدينة ملتان.
112 (4) التوسع والرفض: الصوفيون فيما بعد الاستعمار وفي ظل العولمة، تقريبا من عام 1950 إلى عام 2000 (4-1) الصوفيون في العالم الإسلامي «القديم»
من نواح كثيرة، شهد القرن التاسع عشر بلوغ الصوفيين ذروة التوسع الاجتماعي في تاريخهم؛ حيث استعانوا بتقنيات السفر والطباعة الحديثة، وحافظوا على مكانتهم المؤثرة، من خلال تحالفاتهم الماكرة التي عقدوها مع الأطراف الحاكمة في البيئات الاستعمارية وغير الاستعمارية. وشهدت العقود الافتتاحية من القرن العشرين اكتساب الإصلاحيين المناهضين للصوفية والحداثيين المسلمين نفوذا متزايدا، وكان ذلك من ناحية رد فعل تجاه رغد العيش الذي تميزت به الطبقة الصوفية وإذعانها للاستعمار، ومن ناحية أخرى رد فعل على المتطلبات الدينية التي ظهرت من جراء التعرض لأفكار علمية جديدة. لقد شاهدنا في الأقسام السابقة كيف أن الصوفية في أوائل القرن العشرين كانت تقمع للمرة الأولى في مناطق معينة لصالح تكوين الدول القومية. وكما رأينا بالفعل ، في مناطق آسيا الوسطى التابعة للاتحاد السوفييتي، وكذلك في تركيا الجمهورية، كانت الصوفية تتعرض للقمع باسم الحداثة الاشتراكية أو القومية. وفي مناطق أخرى، خاصة في الشرق الأوسط العربي، اشتدت هجمات الحداثيين الأيديولوجية على الصوفيين، معتبرين إياهم فاسدين أو عملاء أو دجالين، أما من الناحية المؤسسية فقد شهدت سياسات القومية في العديد من الدول العربية في فترة ما بعد الاستعمار توسع عملية طويلة الأجل، تمثلت في تقنين الدولة أوضاع الطرق الصوفية.
113
وفي شبه الجزيرة العربية فسر النظام السعودي الجديد تعاليم ابن عبد الوهاب، المصلح الذي ظهر في القرن الثامن عشر، على أنها تدين الصوفية إدانة كاملة، واتخذ هذه التعاليم كأيديولوجية للدولة الجديدة. وسبق أن رأينا كيف أن مصطلح «الصوفية» نفسه ابتكره الباحثون الأوروبيون في الفترة الاستعمارية، وكيف اكتسب في نقاشاتهم معاني كانت في كثير من الأحيان متعارضة مع فهم الصوفيين لتقليدهم، وعندما بدأ المسلمون في بيئات أواخر الفترة الاستعمارية مثل الهند ومصر يعرفون ما كتبه الباحثون الأوروبيون عن الصوفيين، أصيب الذين أخذوا فهم الأوروبيين بجدية بصدمة من مبالغات الصوفيين، في حين غضب الذين نظروا بعين الريبة إلى الخبرة الأوروبية من إساءة تفسير روح التعليم الصوفي؛ ولذلك نجد في الهند في نهاية الفترة الاستعمارية أن الشاعر الإصلاحي السير محمد إقبال (1877-1938)، عندما كتب مجموعة من الأشعار الفارسية والأردية ملهمة بكل المقاييس، استوعب انتقاد الباحثين الاستعماريين عندما وصفوا الصوفيين المعاصرين بأنهم دجالون كسالى، وفي الوقت نفسه قبل مديحهم للصوفيين في فترة العصور الوسطى، الذي وصفهم بأنهم آخر «المتصوفين» المسلمين الحقيقيين.
114
ستصبح أفكار محمد إقبال شديدة التأثير على التوجهات نحو الصوفية في دولة باكستان، فيما بعد الاستعمار، التي ساعد في إنشائها. وبالمثل، في مصر في أواخر فترة الاستعمار وما بعد الاستعمار تأثر الباحثون العرب باعتقاد الباحثين الأوروبيين القائل إن الصوفية نشأت بين «مؤثرات» خارجية مسيحية وهندوسية، وأنها على أي حال تجل إسلامي لفئة «التصوف» العالمية؛ مما دفعهم إلى «إعادة أسلمة» الصوفية كوسيلة لاستعادة السيطرة على تراثهم الديني.
نامعلوم صفحہ