وكما هو الحال عند أسلمة المناطق الأخرى في العالم في أوائل العصر الحديث؛ فقد لعب دورا مهما في هذه العملية الصوفيون المهاجرون المنتمون إلى السلاسل الصوفية المرموقة، التي تربطهم بطرق منطقة البحر المتوسط الإسلامية، لا سيما طرق المغرب ومصر. ويصف أحد المؤرخين الأمر قائلا:
كانت السمة المميزة للوجود الإسلامي في دولة الفونج ودولة دارفور (في السودان في أوائل العصر الحديث) هي السلالة المقدسة التي كانت تعود عادة إلى مهاجر تزوج من المحليين. احتكرت هذه السلالة التعليم والطب والسحر في منطقتها المحلية، وعززت قوتها باستمرار بالحصول على «الجاه»؛ تلك المكانة التي تجعلها معفاة من الضرائب، أو بالحصول على «حاكورة» أو «إقطاع» (أي أراض خاصة الملكية) من الحكام.
108
وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما هو الحال في غيرها من المناطق في الفترة نفسها، تفاوض الملوك والصوفيون، وعقدوا تحالفات عملية. كانت الصوفية في تلك المنطقة تمتاز أيضا بالتركيز الشديد على التعليم المكتوب، وهذا يمثل من ناحية انعكاسا للصوفية الفقهية التي شهدنا ازدهارها في شمال أفريقيا في هذه الفترة، ومن ناحية أخرى انعكاسا لندرة معرفة القراءة والكتابة في السياق الأفريقي في هذه الفترة، وفي كثير من المناطق، كان يطلق على الصوفيين «فقهاء»، في إشارة إلى المجال المرموق الذي تخصصوا فيه أيضا.
شكل 3-4: واحات الأولياء: مستوطنة ضريح زراعية، شمال غرب الصحراء الكبرى (تصوير: نايل جرين).
على الرغم من وصول بعض الحكايات إلينا، التي ترى أن الصوفيين تنقلوا عبر منطقة السودان خلال هذه الفترة، فإن صورة الأنشطة الصوفية لم تصبح أكثر وضوحا إلا بظهور سلطنة الفونج (1504-1821)؛ فقد ظهر الإسلام لأول مرة في السودان النيلي من خلال تدفق الرعاة العرب أثناء القرنين الثالث عشر والرابع عشر؛ مما أدى إلى انهيار مملكتي مقرة وعلوة المسيحيتين. وأثناء فترة حكم الفونج، كان العلماء من مدارس مصر وشمال أفريقيا وشمال السودان منتسبين على نحو كبير إلى الطرق الصوفية، وقدمت الطبقة الحاكمة في سلطنة الفونج فرص رعاية ثرية للعلماء الراغبين في الارتحال جنوبا عبر الصحراء. وفي السودان، عمل هؤلاء الصوفيون المسلحون ب «بركة» أنسابهم المقدسة وإجادتهم للكتابة كشخصيات وسيطة جعلتهم مكانتهم المرموقة أعمدة النظام الاجتماعي في دولة كان نفوذها على سكانها ضعيفا.
109
وكان حكام الفونج يمنحون رعايتهم عادة في صورة أرض شاسعة غير مستغلة، وهكذا، على غرار محاولات الحكام التي رأيناها لاستيطان المناطق الحدودية، منح الصوفيون في السودان الأراضي، وأسسوا قرى زراعية عرفت باسم «الخلوات»؛ ومن هناك، ومن خلال توظيف المحليين والزواج منهم، تسببوا في تحولهم تدريجيا إلى الإسلام، الذي كان لا ينفصل عن الصوفيين الذين نقلوه لهم.
110
وكما هو الحال في المناطق الأخرى، فقد صاحب نمط التأقلم التدريجي مع أساليب الحياة الإسلامية من جانب الأفارقة عملية تكيف إسلامي موازية مع أساليب الحياة الأفريقية.
نامعلوم صفحہ