378

سوڈان

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

اصناف

ولما نجح الإنكليز في إصلاح قناطر الدلتا وجعلها قادرة على تغذية الرياحات وترع الوجه البحري في الصيف بفضل تهيئة المال اللازم لذلك، بدأوا يدرسون المشروعين اللذين أسلفنا ذكرهما في أثناء كلام السير ويلكوكس، ولكن الأمر انتهى إلى حفظهما لاختلاف الآراء فيهما، ويرجع الفضل في بيان قيمة هذين المشروعين من الوجهة الفنية إلى بعض كبار المهندسين المصريين في ذلك الوقت مثل سالم باشا وغيره.

وإلى هذا الوقت لم تكن فكرة التخزين في مجرى النهر قد أخذت حظها من الوجود. وقد كان في الإمكان أن تقف فكرة التخزين في ذاتها أمدا بعيدا لولا أن هيأ الله لمصر مهندسا فرنسيا هو المسيو برومب - العضو بمجلس إدارة السكك الحديدية المصرية - فلفت نظر المهندسين الإنكليز إلى التخزين في مجرى النهر ذاته، وكان هذا الاقتراح هو مفتاح الفرج، وفي ذلك يقول السير ويلكوكس في كتابه الذي أسلفنا ذكره صفحة 425 ما يأتي:

في سنة 1889 اقترح المسيو برومب - العضو بمجلس إدارة السكك الحديدية المصرية - استخدام مجرى النيل نفسه للتخزين ما دامت لا توجد سهول منخفضة متصلة بالنيل وتصلح للتخزين.

وقد رحب المهندسون الإنكليز بهذا الاقتراح، وعينوا السير ويلكوكس لدراسة مجرى النيل في بلاد النوبة لتعيين أفضل موقع للسد الذي ينشأ على النيل للتخزين، وقد عين أربعة من المهندسين المصريين مع السير ويلكوكس لهذا الغرض، نذكر منهم المرحومين محمد بليغ (بليغ باشا فيما بعد)، ومحمد صابر، وعبد الرحمن رشدي، وعبد الله حسين.

وقد انتهت هذه الدراسة باختيار رأس شلال أسوان باعتباره أحسن موقع للسد. (1) خزان أسوان وإنشاؤه وتعليته

وهنا يبدأ دور خزان أسوان من حيث إنشاؤه وتعليته. وضع السير ويلكوكس مشروعا لإنشاء السد. وفي سنة 1894 استدعيت لجنة دولية لفحص هذا المشروع، وكانت مؤلفة من ثلاثة أعضاء؛ أحدهم إنكليزي، وثانيهم فرنسي، وثالثهم إيطالي. وقد قدمت اللجنة تقريرين لأنها لم تجمع على رأي واحد، فقد انضم العضوان الإنكليزي والإيطالي الواحد إلى الثاني، وانفرد العضو الفرنسي برأي قدم به تقريرا مستقلا أخذ بأهم ما فيه بعد ذلك عند التفكير في حماية مجرى النهر من سقوط مياه الخزان؛ لأنها أحدثت تآكلا في الصخر.

وقد أدخل تقرير الأكثرية تعديلات مهمة على مشروع السير ويلكوكس.

وفي سنة 1898 بدئ بإنشاء الخزان، وأبعد المهندسون المصريون عنه ليستقل المهندسون الإنكليز بفخره، وشملت هذه الخطة المهندسين الأربعة الذين قاموا بنصيب كبير في دراسة النيل وعمل ميزانيته مع السير ويلكوكس. وقد انتهى العمل في الخزان وافتتح سنة 1902، وبلغت تكاليف إنشائه أربعة ملايين ونصف مليون من الجنيهات، ولكنه ما كاد يستخدم حتى ظهرت عيوب في بنائه، واقتضى الحال عمل «فرشة» خلفية له انتهى العمل فيها في سنة 1907، وقد بلغت تكاليف هذه «الفرشة» 2827000 جنيه، وكان إنشاء هذه الفرشة تنفيذا للملحوظة التي كان قد أشار إليها العضو الفرنسي في لجنة 1894.

ولم يكد العمل ينتهي من «الفرشة» حتى ظهرت فكرة التعلية الأولى، فاضطر المهندسون الإنكليز إلى إزالة جزء من «الفرشة» حتى يتمكنوا من عمل التعلية، وقد بلغت تكاليف التعلية الأولى مليونا ونصف مليون من الجنيهات.

وهنا يصح أن ننقل رأي السير ويلكوكس في هذه التعلية. فقد قال في الطبعة الثالثة من كتابه السالف الذكر صفحة 742 ما يأتي: «وقد حدثت شروخ بسيطة وشقوق في البناء الجديد ففرغت اللحامات لتمر فيها مياه الرشح بعد تغطيتها «بكحلة كاذبة».»

نامعلوم صفحہ