362

سوڈان

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

اصناف

وهناك مسألة أخرى عامة تستدعي أن يفصل فيها توطئة للبحث المستفيض في الموضوع الذي تعالجه اللجنة - هذه المسألة هي هل سد جبل الأولياء يكون حكمه حكم ترعة الجزيرة سواء بسواء من حيث الأولوية في الحق وإن لم يكن الأول في السبق لعدم إنجاز شيء منه حتى الآن، ولما كان سد جبل الأولياء وترعة الجزيرة من أول الأمر حلقتين من سلسلة مشروعات واحدة، فقد رأت اللجنة أن لا يكون لمشروعات الجزيرة ميزة على جبل الأولياء في الانتفاع بالزيادة في إيراد الماء بل يسوى بينهما في حق الأسبقية، وينتج عن ذلك الرأي أن السودان ينبغي له أن لا يألو جهدا في تسهيل مهمة إقامة سد جبل الأولياء. وقد افترضت اللجنة أن هذا التسهيل من جانب السودان كائن.

وختاما نظرت اللجنة فيما إذا كان حتما لزاما أن يبقى لمشروع الجزيرة الحق الذي قرره له كتاب (ضبط النيل) في مقدار الماء الذي يأخذه وشروط أخذه، فلقد كان محتملا أن بحث اللجنة في الإحصائيات التي تناولها (ضبط النيل) وفي إحصائيات السنين التي انقضت منذ ابتكر المشروع يقضي إلى آراء مغايرة للآراء المثبتة في ذاك الكتاب، لكن هذا المشروع لم يقرر إلا بعد بحث مستفيض من جانب رجال الري في مصر ومن جانب لجنة مشروعات النيل، وارتبطت حكومة السودان بتعهدات قامت على أساس الحصة التي قررها المشروع، ومن ثم بدا للجنة أن الإقدام على النقص في كمية الماء اللازم لهذا المشروع يجر إلى عواقب لا تدخل في اختصاصها وهي هيئة فنية. على أن القواعد التي بني عليها المشروع قد دل تمحيصها بالأساليب التي جرت عليها اللجنة على أن ليس هناك كبير خلاف بين النتائج التي أفضى إليها بحث هذه اللجنة والنتائج التي توصل إليها من قبل. (8) في الإحصائيات

من المناسب قبل الخوض في تمحيص الإحصائيات أن نشرح بالإيجاز ماهية ما لدينا من الأرصاد، ونبين بعض عوامل لها دخل في التقديرات المبينة على هذه الأرصاد. (8-1) الأرصاد المائية

إن مناسيب النيل عند القاهرة أعلاها في السنة وأدناها مدونة معروفة من سنة 641 ميلادية إلى 1415 ميلادية، ثم من سنة 1737 ميلادية إلى الوقت الحاضر لا في فترة واحدة، فهذه المناسيب إذن تتناول أكثر من 960 سنة، ولها قيمتها في بيان دورة السنوات الشحيحة، ولقد بدئ برصد مقاييس النيل عند أسوان والقاهرة في سنة 1870 مع رصد مقدار التصرف أحيانا، ومنذ سنة 1903 لا تزال المناسيب أمام الخزان وخلفه، ومقدار فتح عيونه ترصد كل يوم، ولقد قدرت تصرفات النهر في السنين الأولى بواسطة تقنين فتحات هذه العيون، وهذا التقنين قد بلغ الآن مبلغا عظيما من الضبط، وكذلك توزيع الماء عند قناطر الدلتا يعمل بطريقة التقنين منذ سنة 1919، والمقادير الإحصائية يتحرى فيها على الدوام التوقي من دقة الرصد وتهذيب أساليبه، حتى إن هذه الدقة، وهذه الأساليب قد بلغت الآن مبلغا عظيما من الإتقان، فيمكن الركون إلى تلك الإحصائيات، ولا سيما ما كان منها خاصا بالسنين السبع الأخيرة. (8-2) مدة انتقال الماء

إن طول النيل وقلة انحدار مجراه يجعلان لزمن انتقال الماء شأنا جديرا بالاعتبار في كل ما يتعلق بتقدير مياهه، ولا بد من أن يكون زمن انتقال الماء هذا دائما على بال الباحث في هذا التقدير، فإذا رصدت للنهر حالة معينة في سنار مثلا لزم حساب الوقت الذي فيه يبدو أثر هذه الحالة قبل أن ترتب عليها أي نتيجة. فالخلاصة أن لا بد من اعتبار الزمان والمكان في رصد حالات النهر، وليلاحظ أن زمن الانتقال غير ثابت، بل يعتريه التغير طبقا لحالة النهر.

ولقد قامت مصلحة الطبيعيات بحساب زمن انتقال الماء بين الأماكن المختلفة عندما طلبت اللجنة ذلك، وهذا الحساب مبين في الذيل «ب»، ومنه يتضح أن زمن انتقال الماء من سنار إلى قناطر الدلتا في بدء الفيضان وانتهائه قدر كما يأتي:

في يناير وفبراير 340000 يوما. وفي يوليو وأغسطس 260000 يوما.

أما عند البحث في حالات خاصة كحالات السنين الشحيحة، مثلا فإن حساب زمن الانتقال اللازم لفحص هذه الحالات يقدر تقديرا خاصا أساسه المعلومات المناسبة له. (8-3) الماء الضائع

قدر كتاب «ضبط النيل» (انظر صحيفة 253 من النسخة العربية) أن 124 وحدة من الماء عند الخرطوم تنقص بالانتقال حتى تصير عند أسوان 100 وحدة فقط، واللجنة لا ترى من الضروري ولا من الميسور في فحص الموضوع الذي بين أيديها أن تعتبر ما يضيع بالانتقال حين تنظر فيما يكون لأخذ الماء عند سنار من أثر في حالة الماء في مصر، بل تؤثر اللجنة الذهاب إلى أن الماء الذي يؤخذ عند سنار يبدو في مصر أثره كله مع افتراض أنه لا ينقص بالانتقال، وقد يتيسر يوما في المستقبل أن يحسب هذا الضائع بالانتقال حسابا يكون أدنى إلى الصواب، كما يجوز أن يكون لهذا الضياع شأن أكبر من شأنه الحالي، وإذن يكون ثمت وجه للاعتداد به عند اللزوم. (8-4) تقسيم السنة

إن الفكرة الجوهرية المنطوية عليها آراء اللجنة هي كما سبق بيانه تقسيم السنة إلى فصلين في أحدهما تستمد ترعة الجزيرة الماء من تصرف النهر الطبيعي، وفي الآخر تستمده من الماء المخزون، وتترك التصرف الطبيعي لمصر خاصة، ولهذا لم تعد اللجنة القواعد التي قررها كتاب «ضبط النيل»، وأقرتها لجنة مشروعات النيل، لكنها في معالجة الموضوع، وفي بيان النتائج سلكت مناهج غير التي سلكها، وجعلت أهم أركان بحثها فحص الأحوال التي تصحب ظهور الفيضان وانقضاءه، أي حين يربو ماء النيل إبان الزيادة على المطلوب منه، وحين يقل إبان الانخفاض عن ذلك المطلوب، وأكثر هذا الفصل من التقرير قد خص لهذا الفحص وإبداء نتائجه وما يبنى عليها من الآراء. (8-5) زيادة النيل - يوليو وأغسطس

نامعلوم صفحہ