كل هذا منتظر يا سيدتي، فأنتن تعودتن التقريظ والثناء، أما أنا فعددت العشرة قبل أن أكتب هذا الحديث، الحمد لله على أني أرمل دهر وليس عندي امرأة! وإلا لكان استقبالي في البيت صارخا، وكانت النومة عند الجيران إن لم تكن في الشارع ...!
وإلى اللقاء.
أشبعوه على الأقل
يؤلمني أن أرى خراف الثقافة بلا حظيرة، ويجرح قلبي أن أرى المثقفين - وخصوصا المعلمين - لا يربئون بأنفسهم أن يرعوا مع الهمل، كما قال أخونا الطغرائي حين فجع بوزارته، لكأنهم لا شيء في هذا البلد، يقول لهم أولياء الأمر لنفخهم وجبرا لخاطرهم المكسور وقمعا لوساوسهم الجامحة: «أنتم مربو رجال الغد، أنتم الخالدون ...» وإذا رجعوا إلى أنفسهم سمعوا بآذانهم رنة السهم في قلوبهم، رأوا أن كل حصتهم من غزوات حرب المعاش تنحصر بالكلمة المأثورة: القناعة كنز لا يفنى.
نعم إن القناعة كنز أي كنز! وحسب القناعة رفعة شأن بين الفضائل المعزية منكسري القلوب قول الطغرائي فيها:
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا
تحتاج فيه إلى الأنصار والخول
هذا ملك محترم عزيز الجانب أيها الإخوان ... ومن باب الشيء بالشيء يذكر، أو تداعي الأفكار، وهو من علم النفس الذي يدعيه اليوم أكثر الناس جهلا به، ومع ذلك يناقشون بلا استحياء إسبينوزا ودركايم كأنهم وإياهما رفقاء الصف!
أقول: إنني تذكرت قول أحد أساتذتنا الذي ناقش هذه الكلمة «القناعة كنز لا يفنى»، فقال: «هذا الكلام ناقص ولا يصح السكوت عليه إلا إذا قلنا: القناعة كنز لا يفنى بعد تأمين المأكل والملبس والسكنى، فالجائع والعريان ومن لا بيت له كيف يقنعون؟»
صدق المعلم، فاليد لا تغل إلا إذا كان صاحبها مكفيا هموم المعاش، أما المعلم في أرضنا فهو كأبي الطيب عند كافور لا هو في العليق ولا اللجام ... يعللونه بالذكر الخالد ويصدق ذلك؛ لأنه مسير بناموس أزلي نجهل سره، ناموس الحياة الذي يسوق المخلوقات جمعاء بعصاه اللينة، ومن يبالي منا بالمعلمين ليحيي ذكراهم؟ الناس لاهون عنهم بسفاسفهم، ولا يذكرونهم إلا بمعرض فخر يريدون أن يظهروا فيه عراقة الأمة وأن منها نوابغ، أما في الحياة فينظرون إلى المثقفين والأساتذة والمعلمين هازين أكتافهم غامزين بعيونهم كأنهم يقولون: «ما أخف عقول هؤلاء، يصدقون ما نقوله لهم ...!
نامعلوم صفحہ