كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء للقناة سنانا
فهو يرى أن الشر طبع فينا، وأن النضال مستمر ما استمرت هذه الميول في النفس البشرية.
وفي الحقبة الأخير من عصرنا الحاضر، الذي يسمونه عصر النور، يفكر الناس بقطع دابر الشر، وخلق عالم جديد يستريح فيه الإنسان من متاعب الحياة ومشقاتها، ومن الحروب وضرباتها وويلاتها، فيخلقون مؤتمر لاهاي ثم جامعة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة، وأخيرا الأونسكو.
أما ما يكون فهذا علمه عند الله - عز وجل - ولكن الطبخة الطيبة تبين من العصر، فلا أظن أن العشاء يكون كما نتخيل ونتفهم.
أما العالم الذي أراه أنا فهو هذا العالم الذي نعيش فيه، ولا يمكن أن يكون غير ذلك. وكلما بعد عهد الإنسان بالآلهة المحاربين الذين عبدهم في أظلم العصور، اقترب الإنسان من أخيه الإنسان وفهمه. إن عالم الاختراعات التي قربت شقة السمع والعيان بين البشر هي التي ستقرب بينهم وتؤلفهم، فيتفاهمون ويأتلفون ويطل علينا عالم جديد.
إنني أرجو منك منذ الآن أيها القارئ الكريم ألا تطمع بالنوم على ظهرك ليلا نهارا، وأن يأتيك رزقك إلى البيت مطبوخا وما عليك إلا أن تلتهمه، فلا غصة ولا فواق ولا ولا ... يجب أن تعلم أنك لا تلتذ ما لم تتعب، ولا تترقى ما لم تنافس وتناضل، فلا بد لك من عرق جبينك لتأكل خبزك.
2
عاش الناس قبلنا حالمين، عاشوا في دنيا أساطيرهم وخيالاتهم مترجين عالما أحسن وأفضل، وقد ضرب صاحب «ألف ليلة وليلة» الرقم القياسي فيما ترجى، فجعل المستحيلات عصا يتوكأ عليها أبطاله ويقضون مآربهم الأخرى. حقا إن الإنسان عمل كثيرا واكتشف أسرارا كثيرة وخطيرة إلا سرا واحدا لم يستطع اكتشافه، ألا وهو سر العدالة والسلام والقناعة والرضا بما قسم له.
فمن عهد تلك القميص التي خاطتها حواء من ورق التين إلى عهد فساطين الدنتلا والبوبلين، لا يزال الإنسان إنسانا لا يهدأ ولا يقر له قرار ينظر إلى جاره بعين محمرة، ويحاول القبض والاستيلاء على ما يملك.
نامعلوم صفحہ