ويقول لودفيج: إن ستالين تلقى هذا الهجوم بمنتهى الهدوء ثم قال ردا عليه: إنك على خطأ؛ ففي كارل ماركس تجد أن الرجال هم الذين يصنعون التاريخ ولكن ليس بالطريقة التي تتصورها، بل بالطريقة التي يتصرفون بها أمام الحوادث التي تكتنف حياتهم السياسية، فإن كل جيل تصادفه سلسلة جديدة من الأحداث عليه مواجهتها. ويمكن القول بوجه عام: أن عظماء الرجال لا يستحقون التقدير إلا بحسب الطريقة التي يواجهون بها الظروف، وإلا كانوا عظماء من طراز «دون كيشوت». وفي رأيي أن التاريخ هو الذي يصنع الرجال، ولم ينكر ماركس بتاتا أهمية الدور الذي يقوم به الأبطال. والواقع أن هذه الأهمية كبيرة جدا ...
قال ستالين هذا ونسي أنه في الوقت الذي كان فيه بطل الثورة لينين لا زال على قيد الحياة فإن السلطة كانت قد انتقلت من يده حتى إن ستالين نفسه بوصفه سكرتيرا عاما أخذ في تعيين أصدقائه وزراء، وأخذ هؤلاء في تعيين أصدقائهم وكلاء للوزارات ... كل ذلك لأن «البطل» كان قد أصابه المرض ...
وأدرك لينين الخطر الذي يهدد النظام كله بهذه التصرفات فأملى مقالا، ربما كان آخر مقال له في حياته، وجعل له عنوانا هو: «اعملوا أقل ... ولكن أحسن!»
وفي ذلك المقال اقترح لينين إدخال عنصر الشباب في الأداة الحكومية على أساس اتساع المعرفة وأفضلية التعليم، ولكن في الوقت الذي كتب فيه لينين هذا المقال كان المكتب السياسي «البوليبيرو» المكون من ستالين وأعوانه قد أصبح في درجة من القوة جعلته يرفض نشر مقال لينين، وبلغ من جرأتهم في ذلك الوقت أن اقترحوا نشر المقال في نسخة واحدة من أعداد جريدة برافدا، وقالوا في سخرية لاذعة: «حتى يقرأها العجوز! ...»
ولم يسمحوا بنشر هذا المقال إلا بعد أن هدد تروتسكي كما هددت زوجة لينين بفضح أساليبهم.
ويقول أندريه جيد بعد زيارته لروسيا: وقد نفرت نفسي من هذا التمجيد الذي رأيته لمكانة ستالين، والمديح الذي يزجى إليه، والملق المترامي من حوله، فقد راحت الدعايات التي كان هو بالذات مسئولا عنها تصوره للناس في صورة الزعيم «المعصوم» الرحيم العليم المبدع الذي صنع كل شيء حسن في روسيا، جاء بكل خير، ومنه كانت تستفيض البركات والأنعم والطيبات، أما الأغلاط والمحن والنكبات والهزائم والنكسات فلم تكن بالضرورة إلا من عمل «المخربين» و«التروتسكيين» وأعداء الشعب وخصومه!
وقد رحت أصب جام غضبي على هذه العبادة الجديدة لشخص ستالين في مقال كتبته في موسكو ونشرته في نيويورك في عام 1930 وحملته تبعة ذلك، وأطلقت على هذه الظاهرة أسوأ التسميات، فقلت: إنها «مناقضة للبلشفية» وإن كانت في الواقع «بلشفية صميمة»؛ لأنها النهاية التي لا مفر منها للديكتاتورية، فقد رأينا هتلر وموسوليني يتوليان حركة مماثلة في باب المديح الذاتي، وإملاء التسبيح والحمد والتمجيد.
ستالين في مؤتمر الفلاحين.
في عام 1924 بعد موت لينين تظاهر ستالين بصداقة ريكوف الذي خلف لينين في منصب رئيس الوزراء. ويرى ستالين (إلى اليسار) وهو يتنزه مع ريكوف (في الوسط)، ولكن العلاقة لم تدم طويلا فقد طرد ريكوف في عام 1930 وقضي عليه في 1938.
ومما يستحق الذكر أن «أندريه جيد» الفرنسي كتب هذا الكلام قبل أن يقف خروشيشيف بوصفه السكرتير العام للحزب الشيوعي بسنوات طويلة ليتحدث في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي فبراير 1956 عن تقديس الفرد، ومدى ما يترتب عليه من نتائج ضارة، وليقول: إنه من الأمور الدخيلة على الكامل. واستشهد خروشيشيف بالخطاب الذي بعث به كارل ماركس إلى ويلهلم بلوس القائد العمالي الألماني وقد قال له فيه:
نامعلوم صفحہ